جميل النمري يكتب: العالم بعد فاصل ترامب

الاستطلاعات اليوم ترجح خسارة ترامب للانتخابات الرئاسية القادمة بفارق واسع، واذا تحقق ذلك فستبدو فترة رئاسة هذا الرجل مثل فاصل تشويش في البث لم يكن ممكنا التعامل معه بغير انتظار نهايته.

ضايقت قيادة ترامب العالم الذي استقر على اعراف وتقاليد عريقة وهواصطدم تقريبا مع الجميع، الحلفاء قبل الأعداء والمحافظين قبل التقدميين وأحتار الجميع في التعامل معه ومع تقلباته وانقلاباته على التزامات واتفاقيات في كل المجالات من التجارة الى البيئة الى المنظمات الدولية. لقد وضع العالم على شفير الهاوية بالتحدي العسكري مع ايران لينقلب فجأة الى تكتيك العقوبات الاقتصادية، ووصل مع كوريا الشاملة الى حد التهديد النووي ليرجع بعد لقاء مباشر مع الزعيم الكوري الى البوح عن وقوعه في غرامه! ويمكن تفهم ذلك مع ثنائي غريب الأطوار مثلهما.

ولعل العرب أسهل من مارس عليهم ترامب اساليبه الشاذة فمن اول يوم مارس الابتزاز بالتخويف العلني من ايران وخاطبهم بغطرسة مهينة وهو يكرر علنا وحرفيا كما لم يحدث في تاريخ الدبلوماسية أن «ادفعوا لأحمي بقاءكم على كراسيكم» واستعرض في لقاءات مباشرة أمام الكاميرات بتبجح الصفقات التي أبرمها معهم. وقد يكون الأردن البلد الوحيد الذي نجا من أساليب ترامب. والأردن لا ثروة لديه بل العكس فهو يعتمد على المساعدات الأمريكية لكن الرئيس لم يحاول ان يتبجح أو يتغطرس ويهين. فالمساعدات مستقرة تاريخيا وعابرة للإدارات والقيادة الأردنية أسست من عهد المغفور له الملك الحسين وأدامت مع الملك عبدلله الثاني علاقة أفقية عريضة ومعمقة لا تتأثر بتعاقب العهود الرئاسية وتحظى بنفس الأهمية والتقدير من اوساط الحزبين الجمهوري والديمقراطي على حد سواء ومن اوساط الكونجرس المسؤول عن تقرير المساعدات. واذ تعطلت اللقاءات المباشرة بسبب كورونا رأينا الملك يحرص على سلسلة اجتماعات «أون لاين» مع مجموعات من الكونجرس. والملك يخاطب الرأي العام الأمريكي بلغة رزينة حديثة رفيعة تفهمها وتقدرها الأوساط السياسية والاعلامية بأفضل كثيرا من لغة آخر رئيس لديهم، حتى انه ومع صفقة القرن التي باعدت الموقف الأمريكي عن الأردني لم تجد الادارة أي هامش لممارسة الابتزاز والضغط على قيادة تحظى بكل هذا الاحترام وتجمع بين الشرعية الداخلية والاعتراف والتقدير الدولي.

هل نستعجل افتراض خسارة ترامب للانتخابات؟ تقديري ان هذا الاتجاه سيتعزز في الايام القادمة فالاوضاع الاقتصادية الجيدة قبل كورونا والتي كانت تزكي اعادة انتخابه انقلبت راسا على عقب، ومع الادارة الكارثية لأزمة كورونا وآثارها المستمرة على امريكا والعالم فأغلبية الرأي العام لم تعد تحتمل بقاء هذا الرئيس الذي تستمر الفضائح بإغراقه من اقرب المساعدين الذين تركوه تباعا.
ما يعنينا مع غياب ترامب هو فقدان صفقة القرن لراعيها وراعي القيادة الاسرائلية المتطرفة التي وضعت الصفقة على مقاسها. واذا أمكن تعطيل البند الأخطر فيها وهو تنفيذ الضم فغدا سيرحل المشروع مع رحيل ادارة ترامب وطاقمه المسؤول عن الصفقة وفي مقدمتهم صهر الرئيس. والادارة الجديدة لن تكون ملزمة بالعرض الذي لم ترحب به أصلا ولا يستند لأي شرعية وتعارضه جميع القوى الدولية. وتعطيل الضم يبدو اليوم ممكنا بينما الادارة الأمريكية غارقة في الأزمة الداخلية وفي أجواء السباق الانتخابي والمعارضة تشتد فلسطينيا واردنيا وعربيا ودوليا والتحالف الحكومي الاسرائيلي يعاني من عوارض الاختلاف والميل الى التأجيل أو التدرج في الضم.