تعتمد الدول والأمم لتحقيق مصالحها على مقدار ما تمتلكه من أدوات تستطيع عكس تأثيرها على طاولة أي مفاوضات، وبالتالي تسييلها إلى قراراتٍ تخدم مصالحها. قد تكون هذه الأدوات خشنة، أي عسكرية، أو ناعمة، اقتصادية أو ثقافية، فحينما يخرج رئيس الولايات المتحدة ويتحدث في أي قضية تخص بلده، فإن أقواله لا تعكس ما يريده هو، بل إنه يترجم ما لدى الولايات المتحدة من أدوات، تعكس ذاتها في جمل يفهمها أي طرف، ويفهم أي قوة وقدرة تقف وراءها، ويدرك المتلقون، وهم هنا دول وشعوب، أي ثمن يمكن أن يُدفع إذا وقفت أي دولة في وجه تلك الرغبات. ولا يقف الأمر عند المقدرة العسكرية فقط، بل يتجاوزها، فبعض الدول لا تمتلك قوة اقتصادية أو عسكرية هائلة، وإنما تقتصر ملكيتها على منظومة اجتماعية وبنية ديمقراطية تكسبها تأثيراً كبيراً على الساحة الدولية.
هذا على صعيد المفهوم بشكل عام، ولو حصرنا الأمر أكثر قليلاً، وتحدثنا عن الصراع العربي الإسرائيلي، وتفكّرنا قليلاً في الأدوات التي يمكن لأي مفاوض عربي أن يستخدمها للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، لتحقيق مكاسب سياسية تجعل الخصم يأخذها بالاعتبار، وبناءً عليها يقدم الأخير تنازلاتٍ للطرف العربي، فَلَو بدأنا بالخيار العسكري، فهو أولاً مشتت، وغير مركّز تجاه قضية واحدة، ولا تجمعه عقيدة واحدة، فلكل واحد من الجيوش العربية عقيدته العسكرية الوطنية، والتي قد لا تلتقي في أهدافها مع جيش أي دولة أخرى، وفي الوقت نفسه، تفتقر إلى الحرفية العالية في حروب كبرى، ولا توجد إرادة أو قرار سياسي يجمعها في إطار هدف واحد، وهي في جُلها تتمحور حول الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وبالتالي إمكانية ترجمة حصيلة تأثيرها على أي طاولة للمفاوضات مع إسرائيل تساوي الصفر بالضبط. وهي هنا أيضاً خارج المعادلة تماماً، منذ قرّر العرب أن الحل للقضية الفلسطينية لن يكون إلا سياسيا، وبالتالي أُغلق الباب تماماً على أي استخدام محتمل، ولو نظريا، لتأثيرها على هشاشته في أي مفاوضات محتملة.
أما الجزء الآخر للقوة، وهو الثقل الشعبي، والذي يكون، في الغالب، ذَا تأثير كبير على مستوى العالم إذا ما
اكتسب الصفة السلمية، فحتى هذا أصابه الوهن واليأس، ولم تعد تُحرّكه أقصى المصائب. ولا ينسحب هذا الأمر فقط على جموع العرب، بل حتى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث فقدت الجموع هناك أي رغبة في تحرّك جارف ومؤثر، ربما بسبب يأسها من غياب قوة سياسية تستثمر هذا التحرك لغاية ملموسة، أو ربما بسبب الانقسام السياسي والأيديولوجي داخل الأراضي المحتلة، ولو قُدّر للجمهور الفلسطيني أن يتحرّك بقوة وبسلمية، فإن تأثيره سيتعدّى الأراضي المحتلة إلى مجمل الشعوب العربية، وربما إيجاد ما يشبه حالة من الصدمة لشعوب العالم تجاه القضية الفلسطينية. وللأسف سقطت هذه الورقة من مربع الأدوات التي يمكن لأي سياسي مفاوض أن يستخدمها للحصول على نتائج تترجم على الأرض.
أما الجزء الثالث من القوة المؤثرة، وهي المقاومة المسلحة، والتي كانت في السابق تعتمد على تفجيرات داخل كيان الاحتلال، أو توجيه الصواريخ إليه من الخارج، أو الاختطافات والتفجيرات في الخارج، وحالياً القوى المسلحة الفلسطينية أو غيرها في الداخل أو في الخارج استطاعت إسرائيل تحييد أي تأثير محتمل لها على أي طاولة بوصمها بالإرهاب، والخروج عن القانون الدولي، وربما استطاعت بهذا الادعاء تحويل تأثرها إلى دعم دولي لها، يعبر عن نفسه بتعاطف تارةً أو بدعم مادي وعسكري تارةً أخرى، فهذه أيضاً ليست ورقة قوة لأي مفاوض عربي أو فلسطيني.
أما القوة الاقتصادية فهي محيده سلفاً، فهي في جلها ريعية، تعتمد على الأرض من جهة المنتج، وعلى المشتري من الناحية الأخرى، فالأرض هي هبة من الله أما المشتري فهو نفسه من قدم الدعم والعون للكيان الإسرائيلي، فقوة التأثير هنا هي في يده، واستخدامها السياسي يخدم المستهلك الذي هو المشتري. ومن ناحية أخرى، المواد التي تغرق الأسواق العربية هي في جُلها تنتج خارجه، الأمر الذي يجعل هذه المجتمعات رهينة لرغبات تلك الأطراف. ولا يوجد تأثير اقتصادي للعرب على إسرائيل، فعلى الرغم من إحاطتها بهذا الفضاء الجغرافي الهائل، لا نجد تأثيراً واحداً يمكن للاقتصاديات العربية أن تؤثر به على هذا الكيان. وحتى المياه، والتي تقع منابعها خارج فلسطين المحتلة، ناصية القرار فيها لإسرائيل، وليست لأي دولة عربية. إذاً، الاقتصاد خارج دائرة التأثير في أي معادلة سياسية، وسيكون حاصل تأثيره صفرا على الطاولة المقترحة.
ماذا بقي إذاً؟ السياسة وتأثيرها باعتبارها قوة ناعمة. والتأثير السياسي حصيلة مجموع تأثير العوامل السابقة، وهو في كل الأحوال صفر. وحتى إذا ناقشناه من منظور آخر، شرعية المؤسسات السياسية العربية وإمكانية تأثيرها من هذا الباب، فإن المحصلة أيضاً هنا سيئة، فشرعية تلك المؤسسات لا تعدو عن كونها هيمنة بالقوة
أما القوة الاقتصادية فهي محيده سلفاً، فهي في جلها ريعية، تعتمد على الأرض من جهة المنتج، وعلى المشتري من الناحية الأخرى، فالأرض هي هبة من الله أما المشتري فهو نفسه من قدم الدعم والعون للكيان الإسرائيلي، فقوة التأثير هنا هي في يده، واستخدامها السياسي يخدم المستهلك الذي هو المشتري. ومن ناحية أخرى، المواد التي تغرق الأسواق العربية هي في جُلها تنتج خارجه، الأمر الذي يجعل هذه المجتمعات رهينة لرغبات تلك الأطراف. ولا يوجد تأثير اقتصادي للعرب على إسرائيل، فعلى الرغم من إحاطتها بهذا الفضاء الجغرافي الهائل، لا نجد تأثيراً واحداً يمكن للاقتصاديات العربية أن تؤثر به على هذا الكيان. وحتى المياه، والتي تقع منابعها خارج فلسطين المحتلة، ناصية القرار فيها لإسرائيل، وليست لأي دولة عربية. إذاً، الاقتصاد خارج دائرة التأثير في أي معادلة سياسية، وسيكون حاصل تأثيره صفرا على الطاولة المقترحة.
ماذا بقي إذاً؟ السياسة وتأثيرها باعتبارها قوة ناعمة. والتأثير السياسي حصيلة مجموع تأثير العوامل السابقة، وهو في كل الأحوال صفر. وحتى إذا ناقشناه من منظور آخر، شرعية المؤسسات السياسية العربية وإمكانية تأثيرها من هذا الباب، فإن المحصلة أيضاً هنا سيئة، فشرعية تلك المؤسسات لا تعدو عن كونها هيمنة بالقوة
على مقاليد الحكم، وهي تفتقر إلى المعايير التي تجعل العالم يُقرّ بأهليتها السياسية من ناحية التمثيل الشعبي، عبر صناديق حرّة ممثلِة لرغبة شعوبها. وبالتالي لا تستطيع أن تستخدم هذه الورقة المهمة في أي مفاوضات، ففي أغلب الحالات ستكون قناعة مفاوضيهم أن هؤلاء لا يدافعون عن مصالح شعوبهم، بقدر ما دافعون عن مصالح أنظمتهم السياسية، بينما يستطيع الكيان الإسرائيلي أن يتباهى بقوة صناديق اقتراعه، ومستوى تمثيلها شعبهم، ما يجعل أيضاً المفاوض العربي خاسراً هذه النقطة.
إذاً، بأيادٍ خالية الوفاض، يذهب أي مفاوض عربي للدفاع عن مصالح الفلسطينيين والعرب، فجميع أوراقه في أيادي خصمه، فعلام سيدعمنا، نحن العرب، العالم؟ ما زال أمر واحد نستطيع أن نفاوض العالم والعدو به، إنه الاستقرار في المنطقة، وأثره على أعدائنا واستقرارهم، حتى هذه فشلنا بها، فحينا غمرت المنطقة العربية حمى التنظيمات المتطرّفة كان أثر الدمار والاستقرار في معظمه من نصيبنا، فالدمار لنا والموت والخراب لنا، ولهم قليل من اللاجئين، ربما كانوا نعمة عليهم، فبهم ربما عدلوا نسبة الخصوبة المتدنية في شعوبهم، وحتى هذه علينا وليست لنا.
وفق هذا الميزان ومعايير القوة هذه، احتلت إسرائيل فلسطين في 1948، والضفة الغربية وباقي الأراضي المحتلة في الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967. واحتلت ودمرت مرّات عديدة دولا ومدنا عربية كثيرة، ولم تجد من يقف في طريقها ولن تجد، فهي تجعل القدس عاصمة لها، وتضم أراضي الضفة الغربية، وتتحدّث بصلف عن مستقبل المنطقة، وأنها شريك اساسي فيها، ويجب أن يكون لها كلمة عليا، على الرغم من أنف الجميع. هذا هو الحال، والشعوب العربية فقدت حتى قدرتها على أن تشعر بالمرارة لحالها. ولذلك أصبحت كل هذه الإهانات والانكسارات مقبولة نسبياً لدى العرب، ولم تعد تحرّك فيهم ساكنا، وأبقتهم أسرى في الماضي يتباهون بأمجاده، أو أسرى لنظريات يهزمون بها أنفسهم، قبل أن يبدأوا أي معركة، فالماضي ونظرية المؤامرة تأسرهم في قفص، يواسون به أنفسهم ويحاولون تجرّع هزائمهم.
إذاً، بأيادٍ خالية الوفاض، يذهب أي مفاوض عربي للدفاع عن مصالح الفلسطينيين والعرب، فجميع أوراقه في أيادي خصمه، فعلام سيدعمنا، نحن العرب، العالم؟ ما زال أمر واحد نستطيع أن نفاوض العالم والعدو به، إنه الاستقرار في المنطقة، وأثره على أعدائنا واستقرارهم، حتى هذه فشلنا بها، فحينا غمرت المنطقة العربية حمى التنظيمات المتطرّفة كان أثر الدمار والاستقرار في معظمه من نصيبنا، فالدمار لنا والموت والخراب لنا، ولهم قليل من اللاجئين، ربما كانوا نعمة عليهم، فبهم ربما عدلوا نسبة الخصوبة المتدنية في شعوبهم، وحتى هذه علينا وليست لنا.
وفق هذا الميزان ومعايير القوة هذه، احتلت إسرائيل فلسطين في 1948، والضفة الغربية وباقي الأراضي المحتلة في الخامس من يونيو/ حزيران عام 1967. واحتلت ودمرت مرّات عديدة دولا ومدنا عربية كثيرة، ولم تجد من يقف في طريقها ولن تجد، فهي تجعل القدس عاصمة لها، وتضم أراضي الضفة الغربية، وتتحدّث بصلف عن مستقبل المنطقة، وأنها شريك اساسي فيها، ويجب أن يكون لها كلمة عليا، على الرغم من أنف الجميع. هذا هو الحال، والشعوب العربية فقدت حتى قدرتها على أن تشعر بالمرارة لحالها. ولذلك أصبحت كل هذه الإهانات والانكسارات مقبولة نسبياً لدى العرب، ولم تعد تحرّك فيهم ساكنا، وأبقتهم أسرى في الماضي يتباهون بأمجاده، أو أسرى لنظريات يهزمون بها أنفسهم، قبل أن يبدأوا أي معركة، فالماضي ونظرية المؤامرة تأسرهم في قفص، يواسون به أنفسهم ويحاولون تجرّع هزائمهم.