د. أنيس الخصاونة
أما وقد بات بحكم المؤكد رحيل حكومة الدكتور عمر الرزاز بعد خمسة سنوات على تشكيلها ،وبعد عدة عمليات جراحية لتعديلها ،فإن الحكم على أدائها ومساهماتها في التصدي للتحديات والقضايا الرئيسية التي واجهت الوطن متروك للتاريخ والمؤرخين .إن الإثارة التي تنتاب الكثير من الأردنيين عند صرف الحكومات وتشكيلها أو تعديلها ربما هي صفة أردنية بامتياز وجزء من ثقافتنا السياسية التي تبتهج لإقالة حكومة عاملة وتشكيل أخرى جديدة.
لا أعلم سبب تلك الإثارة ولا سبب ذلك الترقب من سيخلف من؟ ومن الذي سيشكل الحكومة ؟وكيف نقيم أداء الحكومات؟ وهل البرلمان الذي يحتاج نفسه إلى تقييم مؤهل لتقييم أداء الحكومات؟
نعم ندرك من الناحية الدستورية أن جلالة الملك هو الذي يقيل الحكومة وهو الذي يكلف بتشكيل حكومة جديدة ،ونعلم أن عدد من المؤشرات والتقارير ترفع للملك عن الوضع العام وعن أداء الوزارات وعن مجمل القضايا الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الداخلية والخارجية.ولكن يبقى السؤال الرئيسي ما الفرق بين أداء حكومة وأخرى ،وهل أداء الحكومة مرهون بتصوراتها الخاصة ورؤيتها وفلسفة رئيسها أم أن أدائها يقاس مقارنة مع الأهداف الأولى التي حددتها لنفسها ،حيث أن النجاح في الأداء يقاس بمقدار التقدم نحو الهدف المحدد مسبقا؟، وفي الحالة الأردنية هل الحكومات تحدد أهداف رئيسة تشكل هاديا لها وتبني عليها خططها التنفيذية؟
لا أعتقد أن أي حكومة أردنية غير حزبية يمكنها فعل ذلك أي أن يكون لها أهدافها الخاصة بها وبرامجها وخططها التنفيذية.بغياب الأحزاب فإن أهداف الحكومة وبرامجها كلها مبنية على كتب التكليف السامي التي تم على ضوئها تشكيل الحكومة إضافة للرسائل الملكية التي يرسلها الملك للحكومات بعد تشكيلها.من هذا المنطلق تقدم العديد من رؤساء الحكومات المشكلة إلى البرلمان لنيل الثقة معتمدين على كتب التكليف السامي لحكوماتهم.هذه الكتب عادة هي ذات طبيعة عامة وتركز على المخرجات النهائية للسياسات والبرامج الحكومية ،أما التفصيلات فتترك لوضعها من قبل الحكومات. وما دام أن كتب التكليف الملكية تركز على المخرجات النهائية(End Goals) مثل الرفاه الاجتماعي وتحسين مستويات الدخل وخفض نسب الفقر والبطالة والجريمة فإن هذه الكتب متشابهة إلى حد كبير ،وعليه فإن أطر التقييم لأداء الحكومات هي أيضا متشابهه ما دام أنها تحاول أن تحقق نفس الأهداف (باستثناء الأزمات الطارئة).
استنادا لما سبق فإن أداء الحكومات العشرة الماضية ينبغي أن يقيم وفق ذات الأسس ما دام أن كتب التكليف كانت متشابهه واشتملت على نفس القضايا والمطالب بتحسين التعليم والصحة والنقل والتعليم العالي والزراعة زالسياحة…الخ.هنا نقول ما الفرق بين حكومة الدكتور هاني الملقي وحكومة الدكتور عبدالله النسور؟وما الفرق بين حكومة عمر الرزاز وحكومة عون الخصاونة أو حكومة معروف البخيت؟الإجابة على هذا التساؤل نقول ليس هنالك فروق تذكر وان تقييم أداء الحكومات سيبقى تقديري ودون قواعد ثابتة وموضوعية ما دام أنه يخضع لرضا المواطنين أو يتم استطلاعه من قبل مراكز دراسات غير مستقلة ليست خالية من الهوى والتأثير.
بغياب المعايير والمؤشرات والاستقلالية في مراكز الدراسات واستطلاعات الرأي يمكن القول أن حكومة الرزاز ليست أسوأ الحكومات وليست أفضلها بالتأكيد.الأهم من ذلك أنه بغياب الحكومات الحزبية الحقيقية التي تستند إلى برامج اجتماعية واقتصادية وسياسية تم انتخابها على أساسها، فإن القول بأن هذه الحكومة هي أفضل أو أسوأ من سابقاتها سيبقى قولا تعوزه الدقة والموضوعية والدليل.
برامج الحكومات الحزبية والأهداف التي وضعتها لنفسها وانتخبها الشعب على أساسها هي التي تشكل مؤشرات لقياس الأداء الحكومي والحكم على النجاح أو الفشل.تقييم الحكومات الحالية سواء كان إيجابيا أو سلبيا تقييم قاصر ويعتمد على قرارات الحكومات في شهورها الأخيرة فإن كانت هذه القرارات إيجابية حكم عليه بالإيجابية وإن كانت سلبية وصمت بالفاشلة كما حصل في حكومتي عبدالله النسور وهاني الملقي.
معالجات أزمة كورونا رفعت من شعبية حكومة الرزاز ولكن ما لبثت هذه الشعبية وأن تراجعت إثر تعثر في بعض القرارات والإجراءات الاقتصادية غير الموفقة التي اتخذتها الحكومة.
حكومة الرزاز مثلها مثل أي حكومة سبقتها ومثل أي حكومة قادمة تغير رئيسها وشخوصها أم لم يتغيروا وما دامت هذه الحكومات ليس لها أهداف خاصة بها ومحددة مسبقا ،فستبقى مسيرة للشأن العام لا مقررة لاتجاهه ولا لأهدافه ولا لغاياته.لا مبرر للإثارة وحالة الحماس والترقب لدى الأردنيين من القادم وبرئاسة من ومن هو وزير الخارجية ومن هو وزير الداخلية، فالحكومات هي حكومات أقرب ما تكون إلى حكومات تسيير أعمال وستبقى كذلك إلى أن تتطور العملية السياسية لتصبح الحكومات حكومات برامجية منتجة من قواعد شعبية وهذا ما يصبو إليه جلالة الملك وأكده غير ذات مرة..