بقلم محمود الخطاطبة ..
بعيدًا عن المسلمات التي تؤكد أن إشغال الوظائف القيادية في أجهزة الدولة المدنية يشوبها ما يشوبها من عيوب، وينقصها ما ينقصها من عدالة، أصبحت ظاهرة للعيان، وبعيدًا أيضًا عن أن المواطن الأردني وصل إلى درجة اليقين بأن المسابقات التي تُجرى للتعيين في مناصب عليا غير عادلة وغير شفافة، رغم تأكيد الحكومات المتعاقبة أنها وضعت شروطًا وقواعد، قائمة على العدل والنزاهة، لإشغال تلك الوظائف.
المواطن أصبح متيقنًا بأن الاختبارات والمقابلات، التي تُجرى لإشغال الوظائف القيادية، عبارة عن أُلعوبة أو تمثيلية، لذر الرماد في العيون، وتفتقر إلى الكثير من مقومات الكفاءة والعدالة والشفافية.. التقيت أكثر من شخص، كان ينوي التقدم لمثل تلك الوظائف، وعند سؤاله لماذا لم تتقدم؟، كان جوابه بأنها “محسومة”، لشخص ما محسوب على شخصية متنفذة أو ما إلى ذلك.
لن أتطرق إلى تفاصيل تلك المسلمات، معظمها سلبيات، لكن ما يهم المواطن الأردني، وبالذات الموظف، الذي يُفني ما يقرب من نصف عمره في وظيفة حكومية ما، ولم يتبوأ خلالها منصب درجة عليا.
أفضل طريقة لإشغال الوظائف القيادية العليا، هي الأقدمية في العمل، مع شروط أساسية لشغل مثل هذه الوظائف، كأن يكون ذلك الموظف قد تدرج بالوظيفة بدءا من موظف عادي إلى رئيس قسم فمدير مديرية أو إدارة.. إلخ، طبعًا وفق الأنظمة والتعليمات والقوانين.
ولنا خير مثال على ذلك مؤسسات الوطن العسكرية، من جيش وأجهزة أمنية، فهذه المؤسسات تعتمد الأقدمية لاستلام المناصب، ولا أحد يشك أو يُنكر نجاحها، لدرجة أننا نستطيع القول إنه لو تم الاستغناء عن الصف الأول في أي من تلك المؤسسات العسكرية، فإنها ستبقى قائمة تؤدي دورها بكل كفاءة ونجاح، وبمعنى آخر أن “المسننات راكبة على السكة”… الجميع يأمل ويتمنى أن تكون مؤسسات الدولة المدنية شبيهة بتلك “العسكرية”.
إذا ما تم اعتماد هذه الطريقة في مؤسسات الدولة المدنية، فإنه حتمًا سيصل الجميع إلى درجة عالية من الولاء والانتماء للمؤسسة التي يعمل بها، وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى تقدمها وازدهارها، والعودة بها إلى ما كانت عليه في ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي؛ حيث كان الأردن وقتها يصدر كفاءات وخبرات بالجهاز الإداري إلى عدة دول شقيقة وصديقة، أصبحت الآن متقدمة عن الأردن في هذا المجال.
عندما يصل الموظف إلى درجة متقدمة من اليقين، بأنه سيتم مكافأته جراء إخلاصه في العمل، بتقليده منصبا متقدما في المستقبل، فإن ذلك سيقود إلى الانتماء والولاء للمؤسسة التي يعمل بها، اللذين يفتقدهما الكثير من أبناء القطاع العام، لشعورهم بالتهميش والإقصاء، وبالتالي الانتماء والولاء للبلد ككل.
لكن ذلك، يترتب وضع قواعد وضوابط، ينبغي تشديد الرقابة عليها، وكذلك تشديد العقوبات على من يخالفها، فعندما يتم تعيين موظف ما بوظيفة رئيس قسم، مثلًا، فإنه يتوجب عليه قبل ذلك أن يكون حاصلًا على شهادة وخضع لدورات وشارك بورش عملية وعلمية، يكون الهدف منها صقل شخصيته المهنية، وتؤهله إلى قيادة المؤسسة التي يعمل بها، بما يعود بالنفع على مؤسسته في قادم الأيام.
بهذه الطريقة، تكون الحكومة قد “قضت” على نظرية التشكيك التي تنتاب جل الأردنيين، عندما تعلن عن وظيفة قيادية عليا، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المواطن نفسه يصل إلى مرحلة بأن الأحق والأكفأ قد أخذ حقه بالمنصب… فهناك الكثير ممن تبوأوا مناصب قيادية، يجتازون الامتحانات والمقابلات، جراء ما يمتلكونه من مهارات في الكلام فقط، ناهيك عن تدخل البعض، ولكن في النهاية نستطيع القول إنهم فشلوا في قيادة المؤسسات، أو على الأقل لم ينجحوا ولم يحققوا أهداف المؤسسة التي وجدت من أجلها.
طبعًا، لكل قاعدة استثناء، وهنا يجب أن يتم استثناء تلك الوظائف القيادية، التي تحتاج إلى علم معين أو تخصص ما أو كفاءة، كأن تكون “تقنية” مثلًا.