“كانت تناديني محمد، دون لقب، بعد أن تقاربنا نفسيا بعد فترة طويلة من متابعتي لحالتها الصحية؛ لتحكي لي بكل ود وألفة معي عن حياتها وأقرب الناس لقلبها”.. هكذا يروي الطبيب محمد خالد علاقته بالفنانة الراحلة رجاء الجداوي في آخر أيامها قبل أن تودع الدنيا.
ويتذكر الطبيب الذي كان مشرفا على حالتها وهو يغالب دموعه كلام الراحلة معه عن مولدها بمحافظة الإسماعيلية، وكيف جاءت للعلاج بها بعد إصابتها بكورونا، حيث رددت في حينها: “ربما يكون قضاء ربنا أن أموت هنا”.
وغيب الموت الجداوي عن عمر 82 عاما داخل الحجر الصحي بمستشفى أبو خليفة بمحافظة الإسماعيلية، بعد صراع دام 43 يوما، مع فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، بعد مشوار طويل تركت خلاله بصمة و تأثير واضحين في عالم السينما والمسرح و الإعلام والأزياء.
وعن أيامها الأولى بالمستشفى، يقول الطبيب المعالج “كانت الفنانة الراحلة دائمة التفاؤل، قليلة الطلبات، ملتزمة جدا ببروتوكول العلاج، وبجميع تعليمات الطاقم الطبي، وتتعاون مع الجميع، كانت ودودة، وبادلها الجميع الحب والتقدير.. تعودنا على وجودها بيننا؛ لذا جاء مشهد الوفاة مؤثرا وصادما للجميع”.
ومع طول فترة تواجدها بالمستشفى، يعدد الدكتور محمد خالد صفات الجداوى كما عرفها عن قرب، ويقول : “كانت إنسانة صابرة جدا، وكريمة وكلها ذوق ورقي، فضلا عن قوة التحمل الكبيرة، كانت قمة في التواضع، فكانت بمثابة الأم والأخت والصديقة للجميع بالمستشفى”.
وأشار إلى أن الجداوي كانت حريصة على ترديد عبارات “يارب يارب.. وأنا راضية بقضاء الله وان شاء الله ستكون الأمور بخير”.
وفي مشهد العناية المركزة، يؤكد خالد أن “الفنانة الراحلة كانت دائمة التسبيح والاستغفار طيلة تواجدها بالمستشفى، وكانت دائما تقرأ القرآن، وشاشة التليفزيون الموجودة داخل العناية المركزة تذيع القرآن طوال اليوم”.
رسالة إلى الطبيب
ويتذكر الطبيب المعالج كيف ظلت الجداوي حتى آخر لحظات حياتها توزع طاقة حبها للناس، محتفظة بإنسانيتها وإحساسها بالآخرين والقيام بواجبها تجاه أحبائها رغم مرضها وشدتها.
ويقول:” تأكدت إصابتي بفيروس كورونا، بعد استمراري بالعمل أكثر من 100 يوم متصلين داخل مستشفيات العزل الصحي في الإسماعيلية، وتم احتجازي بنفس المستشفى، وكانت الفنانة لا تزال بالعناية المركزة، وحين علمت بإصابتي من إبنتها أميرة، كانت تصلني منها رسائل تدعو لي فيها وكانت دائمة السؤال والإطمئنان عني”.
ويقول الطبيب محمد خالد أن الفنانة الراحلة كانت دائما ما تحكي له عن حفيدتها “روضة” وسبب تسميتها بهذا الإسم، قائلة: حين كانت ابنتها تصلي في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف، خلال تأديتها للعمرة، دعت الله أن يرزقها ببنت، فلما رزقها الله أسمتها روضة.
كما حدثنه الجداوي عن أقرب الصديقات لقلبها وهما ميرفت أمين ودلال عبد العزيز، كما كان الإعلامي عمرو أديب ولميس الحديدي من أحب الناس لها ومن أقرب المقربين لأسرتها.
ورغم مرضها الشديد، لم تنس الجداوي السؤال عن زملائها في الوسط الفني. فقد بث الفنان والسيناريست المصري عمرو محمود ياسين، نجل الفنان محمود ياسين عبر حسابه الرسمي على موقع “إنستغرام” أمس، رسالة صوتية مؤثرة أرسلتها الفنانة الراحلة أثناء تواجدها في مستشفى العزل بالإسماعيلية، قبل رحيلها لوالدته (الفنانة) شهيرة.
وقالت رجاء في الرسالة ” شهيرة ربنا يباركلك في عمرو ويفرح قلبك بيه ويشفي الأستاذ (محمود ياسين)، بدعيلكم من قلبي، وأنا في شدتي، قولي لعمرو الف مبروك. لا إله إلا الله”.
ولم يفت خالد التحدث عن حب الفنانة الراحلة للجمال والأناقة، وقال إنه لمس سعادة الجداوي حين كانت تتحدث عن تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسي لها في إحدى الفاعليات الاجتماعية.
وفي ديسمبر 2018، قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمات للراحلة خلال إحدى الفعاليات الاجتماعية، “إنت فنانة شيك وهتفضلي شيك طول عمرك. ربنا يديكي الصحة ويكرمك”.
ورغم أن الابتسامة لم تفارقها خلال فترة تواجدها بالمستشفى، إلا أن طبيبها المعالج لاحظ في إحدى المرات حزن شديد يكسو ملامح وجهها، قائلا:”كانت منزعجة بشكل كبير، وحين سألتها عن السبب قالت إن سيدة اتصلت بها وقالت لها أنتي تجلسين في غرفة واسعة، وحولك كل ما تريدين، وأنا مصابة بكورونا وأريد عناية مثلك، وسرير بجوارك “.
ولم يغب عن بال الجداوي ولسانها الدعاء لمن حولها قبل أن يكون لها.
وبثت رسالة صوتية من داخل المستشفى لجمهورها ومتابعيها تبين مدي حبها لمصر وخوفها على المجتمع وأسرتها، بعد أن وجهت نصائح للجمهور بضرورة الحفاظ على صحتهم من فيروس كورونا.
وجاء في رسالتها: أرجوكم خافوا على نفسكم عشان ماتوصلوش للي أنا فيه ده”.
لم تتألم كثيرا
وعن حالتها المرضية، أشار خالد إلى أن الجداوي مكثت أسبوعا في غرفتها، ثم تدهورت حالتها الصحية، وبعد تعرضها لضيق في التنفس وانخفاض نسبة الأوكسجين في الدم، تم نقلها إلى العناية المركزة، على مراحل، حيث جرى وضعها على جهاز تنفس صناعي، وجهاز تنفس صناعي اختراقي أخر، قبل أن تفارق الحياة.
وإذ يشير إلى أن حالة الجداوي تدهورت صحيا، يؤكد الطبيب خالد أنها “لم تتألم كثيرا الحمد لله”.
وأشار مصدر طبي مسؤول بالمستشفى لصحيفة “المصري اليوم” إلى أنه مع الساعات الأخيرة من ليل الأحد بدأت حالتها تتدهور بصورة واضحة وحدوث بعض التغيرات فى الوظائف الحيوية بالجسم وكانت تخضع لجهاز التنفس الاصطناعي منذ أيام بعد إصابتها بفشل فى التنفس، وتمكن الفيروس من الانتشار داخل الرئة بسبب ضعف المناعة وتقدم العمر، وجرت محاولات لإنعاش عضلة القلب، لكنها فشلت بعد أن تمكن الهبوط فى الدورة الدموية من توقف عضلة القلب تماما وأدى إلى الوفاة.
الوداع
ويقول الطبيب أن مستشفى الخليفة قدم كل ما يستطيع لإنقاذ الفنانة الراحلة إلا “أن أمر الله نفذ” وصنف المستشفى ضمن أفضل المستشفيات التي عمل بها من النواحي الفنية والإدارية، مؤكدا أن نسب التعافى عالية بالمستشفى.
ولم يشأ خالد أن يختم حديثه قبل أن يتذكر الفنانة الراحلة بالدعاء لها بالرحمة ويصبر أهلها ومحبيها، كما وجه للناس نصيحة بأن يتوحوا الحذر من العدوى، قائلا إن “حدة المرض أصبحت أقل لكن الانتشار زاد”.
وكتب أفراد الطاقم الطبي فى مستشفى أبو خليفة للعزل الطبي بمحافظة الإسماعيلية، مشهد النهاية، بأداء صلاة الجنازة على الفنانة الراحلة رجاء الجداوى، وتحرك الجثمان ليستقر بمثواه الآخير بمقابر الأسرة بالبساتين.
ونشرت صفحة مستشفى الطوارئ بأبو خليفة عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، صورة لصلاة الجنازة، وكتبت في تعليقها: “المغفور لها – بإذن الله- رجاء الجداوي.. اللهم أرحم موتانا واشف مرضانا”.
43 يوما كانت رحلة الجداوي مع كورونا، عندما تم نقلها من القاهرة إلى مستشفى أبو خليفة فى 24 مايو الماضي، خلال عيد الفطر، حتى وصلت لمحطتها الأخيرة مودعة عالمنا في الساعات الأولى من صباح الأحد، لتغلق بذلك آخر صفحة في مشوارها الإنساني والفني الراقي، تاركة لجمهورها أعمالا تخلدها، وطاقة كبيرة من الحب.