محمد حسن التل
عاد القائمون على نقابة المعلمين بالتلويح بل باتخاذ إجراءات تصعيدية بحجة استرجاع ما تم حسمه من علاوات المعلمين التي علقت مؤقتًا كباقي مئات الألوف من موظفي القطاع العام بمن فيهم أفراد وضباط القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بموجب قانون الدفاع الذي اضطرت له الحكومة لمواجهة جائحة كورونا.
باعتقادي، فإن القائمين على نقابة المعلمين أخذوا هذا الموضوع حجة للعودة إلى ما فعلوه قبل شهور من إرباك للعملية التعليمية التي شلت تمامًا نتيجة إضرابهم غير المبرر لتحقيق مطالب تميزهم عن باقي موظفي القطاع العام. لا أحد ينكر أن للمعلم احترامه وتقديره من الجميع، ولا نستطيع أن ننكر الجهد الكبير الذي يقوم به خدمة للأجيال، ولكننا في المقابل، لا نرضى أن تكون النقابة أسيرة لحسابات تنظيمية حزبية تفوح رائحتها وتتجلى صورتها بكل وضوح.
كنت أنا من الذين وضعوا أيديهم على قلوبهم عندما تمت الموافقة على تأسيس نقابة المعلمين، ليس خوفًا من المعلمين أنفسهم، ولكن كان الخوف من وقوع النقابة تحت سيطرة اتجاه سياسي واحد يضغط من خلالها على الدولة والمجتمع لطلب تنازلات سياسية لا حق له فيها. وللأسف فقد وقع ما كنا نخشاه، وتم أسر النقابة من قبل هذا الاتجاه السياسي ذي اللون الواحد، وأغلقت الأبواب بوجه الجميع، وصبغت النقابة بالمعارضة العدمية التي دفع ثمنها أكثر من مليون طالب ومعهم الملايين من أولياء الأمور؛ حيث تم العبث بمستقبل أبنائنا عندما تجرأ القائمون على النقابة بإعلان الإضراب الكامل والامتناع عن التدريس، وظل أبناؤنا أكثر من شهر يملؤون الشوارع ويفترشون الأرصفة انتظارًا لفتح أبواب مدارسهم.
وللحقيقة، فإن الحكومة في الأزمة الأولى حاولت التعامل مع الموقف بصدر مفتوح وبنية صافية، إلا أن الطرف الآخر فسر هذا بأنه نوع من الضعف، فاسترسل في عناده، وضرب بعرض الحائط كل المحاولات لإنقاذ العملية التعليمية؛ فقد كانت الحكومة وهي تحاور القائمين على نقابة المعلمين تضع نصب أعينها مصلحة التلاميذ، وقدمت منذ بداية الأزمة حلولًا ترضي الجميع، لكن أنانية الحسابات السياسية والتنظيمية الضيقة عطلت الحل وعمقت الأزمة. وهنا، لا يمكن لأحد أن يقول لي بأن نقابة المعلمين لا تعمل تحت مظلة الإخوان المسلمين، فهذه قيادات الإخوان كانت واقفة أمام النقابة معلنة النصر المزعوم عندما توصلت الحكومة إلى حل للأزمة ينهي الإضراب ويعيد الطلاب إلى مقاعدهم بعد شهر من الانقطاع الظالم.
هذا وقد كانت القيادات الإخوانية قد تبرأت من علاقتها بالنقابة عندما طلبت منها شخصيات وطنية التدخل لدى القائمين عليها لحل الأزمة، إلا أننا اليوم نرى أنهم عندما بدأت تلوح في الأفق رائحة ازمة جديدة سيفتعلها القائمون على نقابة المعلمين بدأوا يدافعون بشدة عن هؤلاء، وبدأنا نسمع الخطب الرنانة التي تشعرنا بأننا في معركة.
هذه المرة وهذا العام الدراسي، لن نقبل أن يعيد القائمون على النقابة أخذ أبنائنا دروعًا بشرية لتحقيق ما يرمون إليه وأن يعبثوا بمستقبلهم فهذا دونه (خرط القتاد)، وعلى المجتمع الأردني من الطرة إلى الدرة أن يقف في وجه هؤلاء وقفة واحدة لمنعهم من تعطيل العام الدراسي مرة أخرى. كذلك، فإننا نطالب الحكومة بأن لا تبدي أي تساهل معهم؛ فهذا أمر يمس أمننا الوطني؛ بحيث أن ترك أكثر من مليون طالب في الطرقات بلا دراسة لا بد وان يمس استقرار مجتمعنا الأردني.
إن القراءة الأولية البسيطة لما يسمى خطة النقابة لاستعادة العلاوة يفسر فورًا بأنها تقوم بعمل مسيس بحت، فالبند الخامس مثلًا من الخطة يشير إلى أن النقابة ستدرس مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة، في حين أن البند الثاني يعطي مؤشرًا خطيرا لنا جميعًا، حيث جاء تحت عنوان (تحالف الطبقة المسحوقة)! ومنذ متى كان في الأردن طبقات مسحوقة، فالمسحوق غير الفقير. ألا يعتبر هذا تحريضًا واضحًا لفئات المجتمع الأردني؟ وماذا يقصد هؤلاء بأنهم يريدون إجراء دراسة اقتصادية لتكلفة جائحة كورونا على الاقتصاد والموازنة العامة؟ هل صار هناك حكومة ثانية في الأردن!
إنني عندما اطلعت على ما أسموه خطوات الاحتجاج أيقنت تمامًا أن النقابة تتجه إلى إدخال البلد في أزمة كبيرة؛ فهذه الخطوات ستشمل اعتصامات في المحافظات المختلفة، واعتصامات مركزية، وإضراب عن الطعام وخطوات تصعيديه أخرى من شأنها المساس بأمن المجتمع ككل.
ألم يستح هؤلاء من هيبة أفراد وضباط الجيش العربي والأجهزة الأمنية الذين شملهم أمر الدفاع بحسم جزء من رواتبهم، وهم الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، والذين تصدوا للجائحة الأخيرة بصدورهم فغابوا عن أبنائهم وعائلاتهم أسابيع كثيرة دون تذمر، بل ظلت الابتسامة تزين وجوههم، ويدهم الحنون تربت على المواطنين كبيرهم وصغيرهم، ولم يفكروا للحظة واحدة براتب أو مزايا…
إننا نطالب الحكومة مرة أخرى بأن لا تتنازل قيد أنملة في مواجهة من يريد أن يعبث بمستقبل أبنائنا ويأخذهم دروعًا بشرية، وبأن لا تحاور من يتحدى الدولة ويضع منزلته في منزلتها، فهذه دولة تقرر ما من شأنه مصلحة المواطنين، وهي التي تقرر هذه المصلحة، فلا يحق لتنظيم أو جماعة أو حزب أن يتعدى حدوده. ومرة أخرى، على الأردنيين جميعًا أن يقفوا وقفة رجل واحد في مواجهة أي جهة تريد العبث بمصلحة أبنائنا، وعلى أساتذتنا المعلمين المحترمين أن يهبوا ليحرروا نقابتهم التي منحتهم إياها الدولة من سيطرة الحزب والتنظيم والجماعة، ويعيدوها إلى مسارها المهني بعيدا عن كل هذه الحسابات الحزبية.