الكاتب “الخواجا” ردا على المعشر: ألم يحن موعد الحديث في التفاصيل!

 

د. ماجد الخواجا

 

ما زالت ذاكرة الأردنيين تحمل بحزن تلك المقولة لوزير المالية في بداية جائحة الكورونا عندما قال أن خسائرنا ( 56 ) مصاب والباقي مجرد تفاصيل. حينها بكت عيون الشعب مؤازرة وداعمة لجهود الحكومة ومتجاهلة ماذا سيترتب على ( التفاصيل). وقديما قيل أن الشيطان في التفاصيل، فهل كان للحكومة شعوذاتها كي يبتعد شيطان التفاصيل عن بركات قراراتها، أم أنه كان في الصميم من تلك القرارات !؟

لقد صدرت الإرادة الملكية بتاريخ 17 . أذار. 2020، لإعلان العمل بقانون الدفاع رقم (13) لسنة 1992، وبناء عليه فقد أصدرت الحكومة أوامر الدفاع لتنفيذ الغايات المحددة في قانون الدفاع، وبلغ عددها ( 14 ) أمر دفاع تضمنت (182 )  قرارا وإجراء و( 7 ) بلاغات و( 4) تعليمات، وبحسب تحليل ( راصد ) لمحتوى أوامر الدفاع، فقد ظهر أن محور الحماية الاجتماعية ومحور تنظيم سوق العمل هما المحوران الأعلى نسبة من محاور أوامر الدفاع بنسبة 18)% ) لكل منهما،  وأن ( 8% ) من بنود أوامر الدفاع كانت عبارة عن عقوبات و( 9%) منها عملت على إيقاف وتعطيل تشريعات معمول بها.

فجاء أمر الدفاع رقم (4) لإنشاء صندوق لمكافحة وباء كورونا والذي أطلق عليه اسم “صندوق همة وطن”. أما أمر الدفاع رقم 5) ) فيقضي بوقف العمل بأحكام قانون الشركات.

أمر الدفاع رقم (6) ويهدف إلى حماية حقوق العمال في مختلف القطاعات الاقتصادية في ظل التوجه لتشغيل بعض القطاعات تدريجياً مع استمرار حظر التجول. كما تضمن أمر الدفاع أسس الاستفادة من برامج الدعم لمختلف المؤسسات والأفراد في ظل التحديات الاقتصادية.

في حين صدر أمر الدفاع (  9) والذي يتعلق بالحماية الاقتصادية ودعم الشركات المتضررة بسبب أزمة كورونا. ويتضمّن البرنامج آلية دعم العاملين بالمياومة والآخر يتضمن سلسلة من الاجراءات والقرارات المهمة لدعم للعاملين في المنشآت الاقتصادية المتضررة وحمايتهم من آثار التعطل عن العمل.

وصولا إلى أمر الدفاع (14) الخاص باستحداث برامج الحماية والتمكين والذي انتقد المعشر الحكومة في عدم تنفيذها للشق المتعلق بها.

لقد نجحت الحكومة حتى كتابة هذه الكلمات في الحد من تفشي الوباء، بل وتنشيفه كما صرح وزير الصحة الأردني، وهذه تحسب لصالح الحكومة في أنها تعاملت بحرفية واقتدار مع الوباء، وهذا ينسجم مع الشق الأول من تصريح وزير المالية بأن خسائرنا كانت تتمثل في عدد الإصابات بالفيروس، لكن في الشق الثاني وأعني به التفاصيل، هنا يجدر التوقف طويلا للحديث فيها، فالتفاصيل حملت إلينا العديد من الإجراءات والتدابير القاسية التي تأثر بها مباشرة وفورياً الغالبية العظمى من المواطنين الذين لا إمكانيات لديهم ولا خيارات يستطيعون من خلالها تفادي الوقوع في كارثة الجائحة الاقتصادية وهي ربما تشكل خطراً لا يقل عن خطر الجائحة الوبائية الصحية.

لقد حابت الحكومة نفسها ومن ثم أصحاب العمل ذوي الإمكانيات القوية باتخاذ القرارات المناسبة لهم، وتجاهلت مأساة العاملين أو ما يدعون مجازا بأصحاب العمل البسطاء الذين لا ذخيرة لديهم ولا احتياطات تمكنهم من تدبر تعطلهم عن العمل، وهم يشكلون النسبة الغالبة من المتضررين.

وتساءل المواطن البسيط عن سبب ربط كافة الخدمات أو الحقوق بمجموعة من المتطلبات الحكومية التي ليست مرتبطة مباشرة بأحقية الحصول على الخدمة، ومن ذلك اشتراط الدخول إلى المنصات الالكترونية، والاشتراك بالضمان الاجتماعي وتوافر سجل تجاري وغيرها من الاشتراطات التي حرمت العاملين الهامشيين من أية حقوق، والذين يعتاشون يوميا على كدهم وجهدهم، كما أنها أي الحكومة لم تراع حقوق العاملين غير الأردنيين بل وضيقت الخناق عليهم عبر سلسلة اجراءات تعقيدية ورسوم مبالغ فيها ، مما جعلت منهم أناسا تنطبق عليهم شروط التشرد والفقر المدقع والعوز لأبسط متطلبات المعيشة اليومية.

لم تكن الحكومة منسجمة في قراراتها وفي تنفيذ تلك القرارات، ولم تكن عادلة في تطبيق العقوبات المنبثقة عن أوامر الدفاع للمخالفين، كما أنها لم تراع توافر البنية التحتية والمعرفية والتقنية في ربط الخدمة بمنصة الكترونية.

أما حول ما تحدث به السيد رجائي المعشر وهو الاقتصادي المعروف لكنه أيضا السياسي المثير لكثير من الجدل، فهو وإن ظهر بمظهر المدافع عن العاملين، إلا أن جل حديثه كان دفاعاً عن أصحاب العمل الذين ينتمي إليهم، ولم يستطع تقديم البراهين بدرجة تضررهم بما يكفي ليقوموا بتسريح العاملين لديهم استنادا لأمر الدفاع. والحقيقة كلها تتمثل في أن المتضرر الرئيس هو المواطن البسيط والموظف البسيط والعامل البسيط، هؤلاء الذين لا يمتلكون ترف البدائل والخيارات سوى ما يمليه أو يفرضه عليهم صاحب العمل وفي المقدمة منهم الحكومة باعتبارها اكبر صاحب عمل لديه مستخدمين تحت مسمى موظفين. فكان أن جردوا من بعض مكاسبهم وحقوقهم المالية واقتطاع نسب من رواتبهم بصورة إجبارية وليس كما كانت تنوه الحكومة بأن للعامل / الموظف حق الاختيار لأنه ببساطة لم يكن ثمة أي خيار سوى قرار يخرج من فم الوزير.

نعم لقد آن الأوان للحديث في التفاصيل، هل فعلا تمت الحماية الاجتماعية للشرائح الأقل ماديا، هل حققت المنصات الالكترونية الغايات منها، هل تم الوصول إلى المواطن الأكثر تضررا وحمايته اجتماعيا واقتصاديا، هل تم التمكين فعلا للمستحقين، هل استفاد المواطن البسيط من قرارات وزارة المالية والبنك المركزي، هل كل التصريحات والقرارات المتلاحقة لوزير العمل حققت الأمن الوظيفي للعاملين. وللحديث بقية.

فقدان عشرات آلاف العاملين بأجر في القطاع الخاص لوظائفهم، يشير إلى أن أوامر الدفاع 6 و9 و14 لم تحقق الأهداف التي أعلنتها الحكومة عند إصدارها، وتمثلت في منع فصل العاملين من أعمالهم.

إن سوق العمل لا يتحرك بالتعليمات والقرارات والنوايا الطيبة، بل يتحرك وفق دينامياته (أدواته) الخاصة، ولأن أصحاب الأعمال هم أصحاب اليد الطولى في بقاء العاملين أو إنهاء خدماتهم، كانت النتيجة هذه الأعداد الضخمة من المفصولين من أعمالهم.

هذا الوضع لم يأت من فراغ؛ إذ إن السياسات الرسمية وعلى مدار عقود مضت، عمقت الاختلالات في علاقات العمل بين العاملين من جهة، وأصحاب العمال من جهة أخرى.

مفاعيل أوامر الدفاع في ظل وجود هذه الاختلالات، كانت نتيجته -رغم إنكار وزارة العمل- فقدان عشرات آلاف العاملين والعاملات في القطاع الخاص لوظائفهم، وأكدت ذلك مختلف الدراسات المسحية التي أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية ومركز الفينيق للدراسات الاقتصادية. إن عودة الغالبية الكبرى من القطاعات الاقتصادية لممارسة أنشطتها، يزيل مبررات العمل بموجب هذه الأوامر، لأن غالبية العاملين الذين تعطلت أعمالهم، عادوا الى المؤسسات التي كانوا يعملون فيها. وبخصوص العاملين في المؤسسات التي ما تزال أعمالها متعثرة، يمكن أن يستفيدوا من المادة 53 من قانون الضمان الاجتماعي الخاصة بالمتعطلين عن العمل حتى تعود منشآتهم للعمل بشكل تسمح بعودتهم. ويمكن للحكومة في هذا المجال أن تتدخل باتجاهين؛ الأول يتمثل في تقديم الدعم المالي اللازم للمؤسسات التي تضررت أعمالها للحفاظ على استمراريتها والحفاظ على العاملين فيها، والثاني دعم صندوق التعطل عن العمل؛ إذ إن المادة 48 من القانون ذاته، تؤكد أن دعم الحكومة لهذا الصندوق يعد أحد موارده لتغطية أي نواقص فيه، بسبب سماح الحكومة بصرف جزء من موجوداته للعاملين الذي لا تنطبق عليهم صفة التعطل في النصف الثاني من العام 2019. وفي هذا السياق، لم يعد مبررا السماح بخصم ما قيمته 30 % من أجور العاملين في القطاع الخاص، وخصم 50 % أو 60 % من أجور العاملين غير الملتحقين بأعمالهم بسبب الإجراءات الحكومية الوقائية لمنع انتشار فيروس “كورونا المستجد”.

كذلك لم يكن هنالك أي مبرر منطقي أو اقتصادي لتعطيل العمل بالمادة 53 من قانون الضمان الاجتماعي، والتي تنظم أحكام تأمين التعطل عن العمل، وتكييف حالة الذين توقفت أعمالهم جراء حالة الإغلاق الاقتصادي، باعتبارهم “متعطلين مؤقتا عن العمل”، بديلا عن اعتبارهم “متعطلين عن العمل”، فلا فارق جوهريا في الحالتين يبرر حرمانهم من حقوقهم التأمينية وفق المادة 53 من قانون الضمان الاجتماعي وتمكنهم من الحصول على 75 % الى 45 % من أجورهم مباشرة من صندوق التعطل عن العمل. وفي هذا الإطار، نريد التأكيد أن دعم الاقتصاد (منشآت وأفرادا) لا يمكن أن يتم بدون أن تقوم الحكومة بتوفير مخصصات من موازنتها لدعم المؤسسات والعاملين بأدوات متعددة، ودعم صندوق التعطل إحدى هذه الأدوات.