ماهر أبو طير
نريد أن نقرأ الأردن في الثلث الأخير من هذا العام؛ أي اعتبارا من شهر تشرين الأول المقبل، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، ولو كانت هناك جهات مهتمة، حقا، لوضعت تصوراتها حول الأشهر الثلاثة الأخيرة، لنعرف الى أين نذهب على مستويات عدة. من المؤكد أولا أن نسبة البطالة سوف ترتفع، فالجامعات والكليات سوف ترسل الى السوق أكثر من أربعين ألف خريج جديد، سينضمون الى أكثر من ثلاثمائة ألف عاطل عن العمل، ومعهم آلاف فقدوا وظائفهم هنا في الأردن، وهذا يعني أن نسبة العاطلين عن العمل، التي تتبناها الجهات الرسمية؛ أي تسعة عشر بالمائة، غير صحيحة، وسوف ترتفع ربما الى أكثر من ثلاثين بالمائة من القوى المؤهلة للعمل، في بلد ينتظر عودة أعداد كبيرة من أصل مليون أردني مغترب، خلال الشهرين المقبلين، وسط تقديرات عن عودة مائتي ألف شخص، على مستوى أرباب العائلات، وأفراد هذه العائلات بما يعنيه ذلك من ضغط أيضا على خدمات التعليم والصحة، والانضمام الى سوق العاطلين عن العمل، كون أغلب العائدين لا رؤوس أموال لديهم، ليستثمروها في مشاريع صغيرة ومتوسطة، ولو كان لديهم فإن طبيعة البنية الاقتصادية سوف تبتلع أموالهم، ويفقدون هذه الأموال في هكذا بيئة مالحة اقتصاديا. ماذا أيضا عن آلاف الأردنيين الذين يعملون كاستشاريين أيضا، ولو سألتم المختصين في مطار الملكة علياء الدولي، لقالوا لكم إن هناك آلاف الأردنيين يسافرون أسبوعيا من الأردن الى دول الخليج العربي، يقدمون استشارات، أو يعملون في مشاريع، أو يعملون في حقول التدريب، وهؤلاء يسافرون أسبوعيا، لثلاثة أو أربعة أيام، ويعودون أسبوعيا الى الأردن نهاية الأسبوع، وهؤلاء تقطعت بهم السبل، وقد يخسرون أعمالهم هنا، بسبب إغلاق المطار. أغلبهم يعمل في مجالات تقنية أو هندسية أو تعليمية أو طبية، وقد تحتملهم الجهات المشغلة الى حد معين، لكنها في نهاية المطاف سوف تنهي أعمالهم، فهم لا يسافرون، ولا يعملون، منذ شهر آذار، ويتعرضون الى خسائر كبيرة، لا تضعها الحكومة في حساباتها، عند التفكير بملف المطار، ومعهم شركات أردنية لديها مشاريع وعطاءات في دول الخليج العربي، وهي متوقفة الآن كليا، عن تنفيذ هذه المشاريع، والحكومة لا تأبه بكل هؤلاء. الأزمة الكبرى تتعلق بملف المتعثرين ماليا، فهذا ملف يتوجب إعادة النظر فيه، ومنح المتعثرين فرصة زمنية لتعديل أوضاعهم، بدلا من ملاحقتهم، ونحن هنا لا نتحدث عن المحتالين، بل عن فئة كبيرة داخل البلد، تعثرت أحوالها، ومعها عدد كبير من الأردنيين هربوا الى خارج الأردن، وترفض الجهات الرسمية حتى الآن تجديد جوازات سفرهم، ولا بد من معالجة هذا الملف عبر تجديد وثائقهم، ومنحهم فرصة زمنية لمعالجة ملفات تعثرهم والحقوق التي عليهم، بحيث يمكنهم العودة الى الأردن بدون مشاكل، مع منحهم سقفا زمنيا لحل المشاكل التي غادروا الأردن بسببها، بدلا من هذا الحال الذي نراه، بحيث يكون هاربا، وجواز سفره قد انتهى، وقد تشرد في هذه الدنيا، ولا أعرف دولة تفعل بمواطنيها هكذا، الا نحن، على الرغم من معرفتنا أن هذا الإجراء مخالف للدستور أساسا، ويدمر أي إمكانية لدفع الحقوق، وقد كان الأولى تجديد جوازاتهم، ووقف ملاحقتهم قانونيا، مع تحديد سقف زمني لترتيب أمورهم. خذوا مثلا الملف الاجتماعي؛ إذ إن مؤسسة الزواج تنهار تدريجيا، ولا تجد أي طرف في البلد، يدق ناقوس الخطر إزاء ما يجري. وملف الجرائم التي يتوقع لها أن تتزايد خلال الفترة المقبلة، وملف الانتحار الذي تتزايد حالاته يوميا، وملف الطلاق المتوقع أن يشهد تغيرات أكثر مقارنة بالفترات السابقة، وملف المخدرات الذي تتزايد قضاياه يوميا، وملف العنف الاجتماعي الذي بدأت حكاياته القديمة تعود لتتجدد بأنماط مختلفة هذه الأيام. ينبغي للدولة أن تقرأ الأردن خلال الربع الأخير من العام، ومستوى التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومحاولة حل كثير من المشاكل، فإن لم يكن ممكنا حل المشكلة، فالتخفيف من حدتها، قدر الإمكان.