حقوقيون للأردن اليوم: ارتفاع نسبة الجرائم ضد النساء مؤشر خطير .. وخبراء نفسيون: لا يوجد مرض يبرر القتل

الأردن اليوم – شهدت الأردن في الآونة الأخيرة ارتكاب جرائم بذريعة الشرف من تعنيف و تعذيب الى قتل وتنكيل دون رقيب أو حسيب.

هذه الجرائم لا تأتي من فراغ انما متصلة بشكل أساسي بالنظرة المجتمعية في التعامل مع قضايا المرأة الأمر الذي يحتم علينا دق ناقوس العدالة تجاه النظرة النمطية للمرأة والعمل على إعادة نمط التنشئة المجتمعية بضرورة توظيف الخطاب الديني والثقافي والتعليمي والاعلامي لحماية حقوق المرأة وضمان صون كرامتها والعمل على تأصيلها وتطبيقها ضمن ممارسات تستوجب المحاسبة والمساءلة في حال التطاول عليها. وفق الخبير الحقوقي كمال المشرقي.

الى ذلك يعزو المشرقي في حديثه للأردن اليوم تزايد الجرائم المرتكبة تحت مُسمى الشرف الى التهاون في التعامل مع تلك الجرائم من خلال التشريعات التميزية التي تمس المرأة ومدى تمتعها بحقوقها وحرياتها الاساسية وخصوصا تلك المتعلقة بقانون العقوبات التي تسمح بالعذر المخفف اذا كانت ضحية لاية ممارسات تخرجها عن انسانيتها وادميتها. وكذلك تعديل التشريعات المتصلة بالعنف الموجه ضدها وخصوصا المتعلقة بالعنف الاسري. وباهمية تحريك دعوى الحق العام اذا كانت المرأة طرفا في النزاع.

ويرى المشرقي أن الجرائم الأخيرة  لم تعد قضايا مرتبطة بجرائم قتل مكتملة الأركان. وانما جرائم مست امن المجتمع بأكمله. ولنتفق من البداية على عدم جواز تبرير هذه الجرائم النكراء.

ودعا إلى توفير وسائل الإنصاف والعدالة وضرورة تكريس كافة الجهود القضائية والادارية لتطبيق معايير حقوق الإنسان الدولية وخصوصا تطبيق قاعدة سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية وعدم تطبيق القوانين المحلية التي تعارضها وهذا ما اكدته المحكمة الدستورية في قرارها الشهير رقم ١ لسنة ٢٠٢٠.ويجب العمل على موائمة التشريعات بما ينسجم مع مصادقة الاردن على اتفاقيات حقوق الإنسان الاساسية كاملة ومبادئ الامم المتحدة التي تركز على الاعتراف بالكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والمساواة والتضامن والتسامح. وإلى ضرورة تفعيل الرقابة البرلمانية بهذا الخصوص من خلال فتح قنوات واسعة مع البرلمانيين والبرلمانيات ليضطلعوا بدورهم في إعمال مظلة الحقوق والحريات وبما ينسجم مع مفهومي المراقبة والمحاسبة والتشريع. وكذلك إلى ضرورة ارساء قواعد المساءلة الشعبية لحماية المرأة وصون كرامتها.

شرف العائلة

من جانبها ترى المحامية مرام المغالسة أن تحريف مفهوم الشرف والإنتقاص منه وإسقاط  عبء حمله على الحلقة الأضعف من أهم الأسباب التي أوصلتنا إلى القاع حيث يختزل شرف العائلة في سمعة المرأة مما يشكل اداة لجلدها حتى وان كانت ضحية تحرش او اغتصاب في حين ان مفهوم الشرف يتسع لاخلاقيات اسمى  كالصدق ونصرة المظلوم وأداء الأمانة بما يتحمله الرجل والمراة على حد السواء .

وبينت مغالسة أحد العوامل التي تؤدي للجرائم المرتكبة بمواجهة النساء من قبل أفراد الأسرة، تشوه في الهوية الثقافية لدى الشخص المعتدي  واضمحلال الفردانية لديه حيث انه يتعايش مع محيط من المفاهيم الخاطئة للدين والمنطق ويرضخ لذهنية مجتمعية ذكورية  بحيث تشكل  بيئة داعمه للسماح بسيطرة المعتدي على هوية الانثى والسماح بكونه قيم على جميع مظاهر حياتها فنجده ينصب نفسه صاحب حق في ضبط سلوكها وتقييد حريتها ومحاكمتها حتى لو اضطر لإنتزاع  حقها بالحياة نتيجة انصهار هويته في هوية البيئة السائدة .

وأضافت مغالسة عامل الفهم الخاطيء والمتوارث لأحكام القانون  الساري والاعتماد على الاحاديث المتداولة شعبيا بين الأفراد عن احكام قانونية قديمة ومن اهمها الفهم المتداول حول العذر المحل في القتل يستفيد منه الجاني لمجرد سماع اشاعة او حدوث لبس او غضب لأمر لا ينسجم واهواء الجاني ولكن بالرجوع لأحكام القانون نجد أن المادة 340 /1 من قانون العقوبات سمحت بفعل الإيذاء او الجرح او القتل حال مفاجأة الزوجة او إحدى المحارم متلبسة بالزنا او الفراش غير المشروع .ونجد ان العذر المباح فقط يطبق في حالة التلبس الخاضعه للتحقيق والبينات والقرائن وحتى صدور الحكم القضائي بالإدانة  ؛ وكذلك يعتبر من الفهم الخاطيء للقانون ان الزوج والإخوان يملكان حق التأديب على النساء بدون مساءلة قانونية وبدون حدود لافعال التاديب وان وصل الحد بها للضرب والإيذاء وتقييد الحرية والتحقير ومصادرة المستندات وغيرها من الأفعال المعاقب عليها قانونا  الا ان هذه الأفعال جميعها تشكل جرائم معاقب عليها قانونا لأن التاديب  محصور بالوالدين فقط على ان لا تتجاوز أنواع  التاديب اساليب التربية المتعارف عليها وفقا لأحكام المادة 62 من قانون العقوبات الاردني.

وأشارت مغالسة إلى أن عدم تكامل منظومة حماية النساء وخلق سبل وبدائل العيش الكيرم على المستوى الحكومي واللاحكومي يجعل النساء المعنفات قاصرات عن مقاومة العنف او السعي لإيقافه او القبول به رغم تكراره والإزدياد لانها تعلم ان إتكاليتها المجتمعية والإقتصادية على المتسبب بالعنف قيد وثيق لا يكسره جبروت الدولة ولا سيادة القانون .

مفاهيم خاطئة للقانون

مغالسة أوضحت أن هناك مفاهيم خاطئة للقانون ومتداولة بين أفراد المجتمع وهي استفادة الجاني من العذر المخفف ان ارتكب جرم تحت تاثير سورة الغضب الا ان النص القانوني جاء صريحا يستثني من جرائم سورة الغضب الجرائم الواقعة على الإناث وهو نص المادة 98 من قانون العقوبات والتي تضمنت استفادة الجاني من العذر المخفف ان اتى المجني عليه عملا غير محق او على جانب من الخطورة على ان لا تكون المجني عليها انثى .

قضية العنف ضد النساء قضية متجددة واشكالياته قائمه

قالت مفوض الحماية في المركز الوطني لحقوق الانسان د.نهلا المومني، إن قضية العنف ضد النساء قضية متجددة واشكالياته قائمه وتفاقم في العديد من الحالات. مشيرة إلى أن الحديث في هذه القضية المركبة حقوقيا يقتضي التطرق إلى أربع محاور رئيسية منها
الجانب القانوني والذي يقتضي إجراء مراجعة للمنظومة التشريعية ذات العلاقة بالنساء بصورة تكفل تعزيز الحماية لهذه الفئة خاصة في الجانب الجزائي وإزالة أية نصوص تمييزية من شأنها الانتقاص من حقوقهن او سد اي فراغ تشريعي من شأنه فتح الباب واسعا أمام أية انتهاكات بحقهن. هذه المراجعة القانونية التي تقتضي أن تتم بما يتلاءم والاتفاقيات والمعايير الدولية لحقوق الإنسان خاصة المتعلقة بالنساء.

وأوضحت أن من أبرز أسباب العنف الواقع على النساء والذي يعد القتل اقوى وأخطر اشكاله، هو العنف الثقافي الذي يعيد إنتاج الصورة النمطية للمرأة لتتوترثها للأجيال المتعاقبة ويتوجب في هذا الإطار العمل على تغيير الصورة النمطية واتجاهات المجتمع نحو النظرة للنساء من خلال زيادة الوعي ومراجعة المناهج الدراسية وغير ذلك.
وأضافت المومني ” يقتضي حماية النساء من العنف وجود مؤسسات فاعلة لحماية النساء وان اي حقوق في غياب مؤسسات فاعلة وقوية يؤدي إلى زيادة حجم الانتهاكات الواقعه بحق النساء” .
وختمت ” غياب التمكين الفعال للمرأة سواء من الناحية القانونية وعدم معرفة النساء بحقوقهن وعدم معرفتهن بآليات الحماية التي من الممكن اللجوء إليها وغياب التمكين الاقتصادي لهن يساهم في تعرضهن للعنف بصورة أكبر”.

تبرير الجريمة بالمرض النفسي

من وجهة نظر الطب النفسي حول تبرير الجرائم بالإصابة بمرض نفسي معين، أكد الخبير بالأمراض النفسية الدكتور محمد هديب أنه لا يجوز تبرير أي جريمة أو العنف ضد المرأة بالمرض النفسي، مشيراً إلى أن النساء في الأردن يتعرضن إلى ثلاثة أنواع من العنف وهي التجاهل وقلة الإهتمام، الإعتداء اللفظي المنافي للحياء، والإعتداء بالضرب والإيذاء .

وبين هديب أنه لا يوجد مرض نفسي يبرر العنف ضد المرأة أو القيام بجرائم قتل وما شابه ذلك، مؤكدا أن المرضى النفسيين هم الأقل خطورة من الأشخاص الطبيعيين وأن الأمراض النفسية التي قد تتسبب بالقتل والجرائم مثل الإنفصام والشك النفسي،  لا تتجاوز نسبة المصابين بها (1 من ألفي) شخص .