الفلكي عماد مجاهد
تسافر المسابر والمركبات الفضائية في الفضاء الخارجي ضمن مسارات وطرق محددة يقررها مهندس الفضاء المسؤول عن تصميم خطة السفر نحو القمر أو الكوكب المقصود في المجموعة الشمسية، وذلك بناء على مكان وجود الكوكب السيار في الفضاء نسبة الى موقع الأرض والشمس.
ولكن السؤال هو كيف يعرف المسبار طريقه في الفضاء حيث لا طريق معين في السماء؟
الحقيقة أن مسبار الأمل مزود بجهاز تحديد الموقع بواسطة النجوم، ومن خلالها يمكنه تحديد موقعه والمسار الذي يسلكه نحو المريخ، فجهاز تحديد الموقع مبرمج فيه صورة حقيقية للنجوم والبروج السماوية الموجودة في السماء والمحيطة بالطريق الذي يسلكه في الفضاء منذ لحظة الخروج من مداره حول الأرض وحتى وصوله الكوكب الأحمر.
الطريقة التي اعتمد عليها مجس الأمل في تحديد المسار في طريقة من خلال الاهتداء بالنجوم، تذكرنا بالعرب منذ القدم الذين اعتمدوا عليها كثيرا في الصحراء لتحديد اتجاه سفرهم حيث لا يوجد دليل يهديهم إلى الاتجاه المطلوب سوى النجوم سواء كانوا في البر أو البحر، حيث أن أي دليل في الصحراء ستخفيه الرياح والأتربة، كما يستحيل تحديد علامة في البحار والمحيطات، سوى نجوم السماء التي يمكن من خلالها تحديد الأماكن والجهات الأربعة الرئيسية مثل الشمال والجنوب والشرق والغرب، لذلك فان معرفة أسماء النجوم ومواقعها كانت أساسية لكل إنسان تلك العصور، حتى أن الغلمان بمجرد بلوغهم وعملهم في رعي الأغنام كانوا يعلمونهم مواقع النجوم وصورها في السماء لكي يتمكنوا من العودة إلى بيوتهم في الصحراء خوفا من الضياع والهلاك.
إن وجود النجوم في السماء بمواقعها وأشكالها وصورها لم تأت صدفة، بل هي مقدرة من الله عز وجل لمنفعة الإنسان، وهذا ما بينه الله تعالى في عدة آيات في القران الكريم، يقول تعالى في الآية 97 من سورة الأنعام:( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر، قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون).
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره الآية الكريمة: قال بعض السلف: من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث فقد أخطا وكذب على الله سبحانه، أن الله جعلها زينة للسماء، ورجوما للشياطين، ويهتدى بها في ظلمات البر والبحر.
وفي الآية 16 من سورة النحل يقول عز وجل: (وعلامات وبالنجم هم يهتدون) يقول ابن كثير في تفسيرها: “وعلامات” أي دلائل من جبال كبار وآكام صغار ونحو ذلك، يستدل بها المسافرون برا وبحرا إذا ضلوا الطريق. وقوله: وبالنجم هم يهتدون، أي في ظلام الليل.
الذي يقرأ هذه الآيات الكريمة التي تحمل معاني الاهتداء بالنجوم، يظن انها كانت تطبق في الصحراء والبحار على الأرض في القرون والعصور القديمة فقط، وأنه لم نعد نعتمد على النجوم ومواقعها في السماء لتحديد الموقع ومكان السفر بعد التطور العلمي وتكنولوجيا الفضاء في الوقت الحالي حيث أجهزة تحديد الموقع الجغرافي والبوصلات المغناطيسية، والطرق المعبدة والتي تهدي المسافر بدقة الى مكان السفر المقصود.
إن سفر المركبات الفضائية في الفضاء الواسع لا يمكن أن يتم دون العودة للنجوم ومواقعها في السماء، وهذا يعني أن الاهتداء بالنجوم كما ورد في الآية الكريمة ينطبق على كل العصور بغض النظر عن المستوى العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه البشر، فالمسافر على الجمال في الصحراء الواسعة كان يعتمد على النجوم، والمسبار المسافر إلى الكواكب السيارة يهتدي كذلك على النجوم، وهذا دليل اعجازي على معاني هذه الآية الكريمة التي تنطبق على كل العصور والأزمان!!!