كتب ممدوح سليمان العامــــــــري …
مصالح الدولة هي الأمور الحيوية والمصيرية التي لها علاقة بسيادة وأمن وسلامة ودستور وقوانين واستقرار وقوة وقدرات وإمكانات وتنمية وموارد وأركان الدولة والمجتمع، وكل ما يتعلق بقوة الدولة السياسية والاقتصادية والدفاعية والاجتماعية والتجارية والصناعية والثقافية وغيرها سواء في الوقت الحاضر أم في المستقبل.
في ظل هذا المفهوم والتحولات منذ بداية التسعينات، يـرى الأردن أن الأمن بمفهومه الشامل لـم يعـد مقصـوراً علـى قضايـا الأمن الصلب، وإنما تعداها إلى قضايا الأمن الليّن أو الناعم، في أبعادها غير الأمنية.
في الأردن يمثل الاستقرار والازدهار في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والإعلامية والبيئية، مرتكزات حقيقية للأمن الوطني، وأي خرق لهذه الحالة يعبّر عن تهديدات وتحديات جدية تواجه الدولة والمجتمع. ومن هذا المنظور فإن قضايا تطرح من خلال الصحافة كالفقر والبطالة وتراجع نسبة النمو المستدام في مجمل الناتج المحلي والتضخم والتزايد السكاني ومشكلة المياه تصبح بمجملها أو بصورتها الفردية مواضيع تهديد نسبية لحالة الاستقرار والازدهار الداخلي المرغوبة وتؤسس بالتالي لتحديات حقيقية للأمن الوطني.
جهاز الأمن الوطني له وظيفتين: الأمن والدفاع. حيث يقوم بوظيفة الدفاع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بشكل رئيس وتسهم أجهزة الدولة بدور ثانوي، في حين يقوم بوظيفة الأمن مؤسسات الدولة بشكل رئيس وتؤدي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية دور ثانوي في ذلك. بهذا المفهوم تصبح كافة العناصر في أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أدوات عضوية في المنظومة العامة للأمن الوطني الأردني، وبذلك تخرج قضايا تخصصية تقليدية كالصحة والتعليم والتنمية عن إطارها التخصصي وتدخل منطقة الأمن الوطني الأردني.
ضمن هذه المعايير فإن الأمن الوطني الأردني يكمن في الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي علاقات السياسة الخارجية وفي الإدراك العميق لديناميكيات البيئة الدولية والإقليمية والسياسات الداخلية.
الأمن الوطني الأردني لا يقتصر على الجيش الذي يحمي حدود البلاد السيادية. والقوة العسكرية الأردنية ليست هي الإجابة الوحيدة لقضايا الأمن الوطني الأردني. والأمن للدول إنما هو مزيج وطني ومركب ديناميكي ومتغير، يتضمن سيادة الدولة والحرية لقرارها السياسي واستقرارها الأمني والاجتماعي الداخلي وقدرتها على النهوض بمتطلبات مجتمعها التنموية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية والتقنية، وقدرتها على ابتكار حلول اقتصادية علمية سياسية لقضايا الأمن الوطني للمجتمع.
أولويات
لكل دولة أمور تعتبرها في غاية الأهمية تحميها من التدخل الخارجي وتولي أهمية كبيرة لإجراءات ضمان وحماية تلك المسائل. فمن أولويات الأمن الوطني الأردني الوطني الأردني الدفاع عن أركان الدولة (الشعب والأرض والسيادة والقانون)، وحماية مصالح الدولة الحيوية وحماية الاستقرار الداخلي للدولة، وحماية موارد وثروات الدولة، وحماية قوة وقدرات وتنمية الدولة، وحماية معلومات الدولة الحيوية، وحماية استقلالية سياسة الدولة.
يتطلب نجاح الأمن الوطني التنسيق بشكل جيد بين عناصره الأساسية في مختلف المجالات.
في المجال العسكري والأمني يجب أن تعمل الدولة على بناء قوات مسلحة قادرة على حماية القيم الحيوية فيها وفي المقدمة منها أمن الدولة الداخلي والخارجي. وتشمل القوة العسكرية إطاراً عاماً يوفر الأمن والحماية لقدرات والثروات الدولة كي تتمكن من النمو والتطور وتحقيق أهداف الأمن الوطني بمفهومه الشامل.
إذا كان الأمن الخارجي للدولة يشمل إقامة منظومة عسكرية متكاملة للدفاع عنه فإن الأمن الداخلي يشمل إشباع المواطنين بحماية حقوقهم، وتأمين حقوقه المشروعة في البيئة الاجتماعية المحيطة والدفاع عنها وحمايتها.
أما في مجال السياسة الخارجية، فعلى الدولة أن تعمل على استخدام الجهاز الدبلوماسي وكفاءته، وكذلك استخدام الدولة لمصادر قوتها والمنظمات الدولية والإقليمية، وحشد الرأي العام، واستخدام القوى السياسية للدول الأخرى ذات المصالح الحيوية في المنطقة. كل هذا هو من أجل شرح أهداف الدولة ومد نفوذها في المجتمع الدولي وتحديد وإدارة السياسة الخارجية للدولة. ويمكن في هذا الإطار، إقامة علاقات دولية وإقليمية، وعضوية أحلاف وعقد معاهدات واتفاقيات، بما يخدم الأهداف الوطنية للدولة. ومن الضروري أن يساند هذا البعد، باقي أبعاد الأمن الوطني، ويدعمها. فمن غير المتصور وجود اقتصاد قوي، أو قوة عسكرية ذات فاعلية، من دون أن تدعمها سياسة قوية.
خصائص
يتميز الأمن الوطني الأردني بعدة سمات خاصة تسمح لها بحماية البلد والمجتمع وحفاظ سيادة الوطن وبقائه. وهو يتكون من جانبين، الجانب الأول مادي يمكن تحديد مكوناته وعناصره بدقة، ويمكن التعبير عنه كمياً. ويمكن حسابه وتقديره بسهولة وإجراء مقارنة بينه وبين نظرائه لدى الدول والمجتمعات الأخرى. ويمكن التفرقة بين عناصر قوته ومسببات ضعفه.
والجانب الثاني يخص معنويات المجتمع والسياسة القائمة، فهو غير ملموس ويصعب التعبير عنه كمياً بدقة. ويستعاض عن الحساب الدقيق بالتقدير لما ينتج عنه من آثار؛ أي تقدير قوة وقدرة غير الملموس بما يحدثه من آثار ونتائج ملموسة.
فتكون الوحدة المقاتلة محبَطة ومُنْخَفِضَة المعنويات بدرجة كبيرة عندما تفشل في تحقيق مهامها القتالية، على الرغم من جاهزيتها العالية تدريباً وتسليحا ً أو أن الإنتاج الزراعي للدولة دون الهدف المحدد كماً وجودةً، على الرغم من توفر كل عناصر الإنتاج، فيكون في المجتمع الزراعي خاصة والدولة عامة مُنْخَفِضَ المعنويات.
وعلى الرغم من صعوبة تحديد الروح المعنوية، فإن أي دراسة أمنية شاملة يجب أن تُعبِّر عن عناصر ملموسة وغير ملموسة. وعندما يتضمن مفهوم الأمن الوطني هذين الجانبين، إنه سيحدد نقاط الضعف في استراتيجية الدولة. والعمل على تخطيها، بإجراءات وقائية، تهدف إلى ضمان ألا يصدر عن الضعف تمزق قاتل للأمة. لذلك، يجب أن يتعاون المُنّظِر السياسي مع المُخَطِّطْ العسكري، في صياغة المبادئ السياسية وتخطيط الإجراءات الوقائية، للحفاظ على كيان الأمة وأمنها.
الجانب الثاني للأمن الوطني ينبع من خصائص الإقليم الجيوسياسية، لذلك فهو محصلة للتفاعل بين عوامله المحلية والإقليمية والدولية. ومع ذلك، يتأثر كل مستوى بما يلي:
العوامل المحلية، تتعلق بحماية المجتمع من التهديدات الداخلية، التي غالباً ما تكون بمساندة خارجية، وتتعارض مع أهداف النظام السياسي القائم، ومع مبادئ الشعب الحقيقية.
العوامل الإقليمية، تمس علاقة الدولة مع الدول الأخرى في الإقليم نفسه، الذي تنتمي إليه، خاصة دول الجوار الجغرافي.
العوامل الدولية، علاقات ترتبط بها الدولة بالمحيط الدولي، وطبيعة تحالفاتها مع الآخرين، وعلاقاتها بالنظام العالمي (درجة تبعيتها للدول العظمى والكبرى بالنظام.
لذلك، فإن مفهوم الأمن الوطني، يتجه إلى قواعد التكامل الدولي والإقليمي، النابعة أصلاً من خصائص الإقليم الجيوسياسية، من موقع وظواهر جغرافية، وطبيعة أرض، ومجتمع، وموارد، متضمناً شكلاً من أشكال التوازن، بين الذاتية (المحلية) لحماية القومية والوطنية، من جهة، وما يفرضه الجوار الجغرافي من سياسة للتعايش والتعامل السلمي، من جهة أخرى.