د. ماجد الخواجا
منذ عودة الحياة السياسية البرلمانية في الأردن عام 1989، والعمل على تحديث ودمقرطة القوانين الخاصة بالحياة السياسية والتي انبثق عنها قانون الأحزاب السياسية وإلغاء قانون مكافحة الشيوعية ووقف العمل بقانون الطوارئ وغيرها من العهد والذهنية العرفية التي حكمت العمل السياسي الأردني لسنوات طويلة. كان واضحا وملموسا درجة الحماسة الشعبية للانغماس في تجربة الدولة المدنية وحكم القانون وشيوع مفاهيم جديدة عملت على إعادة إنتاج الهوية والملامح الوطنية الأردنية والتي تمثلت بمفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان والتربية المدنية وتكافؤ الفرص الحياتية والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية.
كانت البيئة داعمة ومعززة لنشوء أرضية خصبة لحياة سياسية وتشريعية وحزبية تجعل من الأردن أنموذجا يحتذى في نشر ثقافة الديمقراطية وتداول السلطة والصراع بالأسلحة السلمية وصولا إلى الحكومات المشكلة برلمانيا. حينها بدأ مخاض وحديث عن تشكيل النقابات والاتحادات المهنية للطلبة والمعلمين وأية تجمعات ذات مصالح مشتركة، فأصبح أكسجين من الصحة المجتمعية تسود البلاد، وبدأ الحديث جدياً في إثارة الأسئلة المحرمة والممنوعة وفي مقدمتها أسئلة محاسبة ومكافحة الفساد والفاسدين.
وشهدنا حينها أكثر الخطابات الحماسية المؤثرة التي جعلت أنظار المواطنين مصوبة نحو أفواه النواب وما يبوحون به علانية وعلى مرأى ومسمع الجميع وعبر وسائل الإعلام الرسمية قبل الشعبية.
وتطورت الأدوات الإعلامية وارتفع سقفها حتى سمعنا من حديث للملك المرحوم الحسين أن حرية الإعلام في الأردن سقفها السماء.
وبدأت الأحزاب تعيد تشكيلها انسجاما مع قانون الأحزاب السياسية لعام 1992، ولم يعد من داع لثقافة المنشورات السرية التي توزع خفية، كما لم تعد الحزبية تهمة يتم اعتقال الطالب الجامعي عليها.
لقد أصبح معتادا مشاهدة مانشيتات عريضة على صدر الصفحة الأولى لأية صحيفة تشير إلى فساد وفاسد وتدعو لمحاسبته.
في كل هذا كان النظام السياسي متعايشا ومتفهما ولا أدري إن كان موافقا على تلك التغييرات بل الثورات السياسية والاجتماعية في الدولة.
لقد أنتج برلمان 1989 مجلسا قويا يتناسب ومتطلبات الشعب للتغيير، وكان لقانون الانتخابات الذي جرت بموجبه الدور الرئيس في احتلال كتلة جماعة الإخوان المسلمين لأكثر من 20% من مقاعد المجلس بحيث برزت كأكبر كتلة حزبية منظمة. وكادت الأجندة الرسمية للنظام أن تتهاوى مع الاستجوابات والتحقيقات وطلب الإحالات من قبل المجلس، حتى وصلت إلى التحقيق والإدانة لرئيس الوزراء الأسبق حينها، ولولا الدراية الحكومية الرسمية التي أنقذت الموقف من خلال لعبة التصويت وعدم اكتمال النصاب لسجل المجلس ممارسة نيابية تاريخية تمثلت في محاسبة رئيس وزراء.
لقد ساهم النظام الانتخابي المتبع حينها والمتمثل في نظام الكتلة بأن تكسب جماعة الإخوان وتحصد أكبر عدد من المقاعد بسبب قدرتها على التنظيم والاستقطاب والترويج وحاجة الناخبين لمجلس قوي يستطيع محاسبة ومراقبة أداء الحكومة وإصدار التشريعات القانونية المناسبة. وتبين أن كتلة الجماعة حصدت مقاعد أكثر من نسبة الأصوات الممنوحة لها والتي وصلت نسبتها إلى 17% من الأصوات، فيما بلغ عدد المقاعد 20 مقعدا، مما جعل تأثير الإخوان في دورة المجلس هو الأكبر والأخطر، فاستدعى الأمر أن يعود النظام للبحث عن نظام انتخابي يحد من نفوذ الجماعة ويزيد من عدد المقاعد التي ينالها المقربون والمؤيدون ومن يدعون بالنواب المستقلين. حيث جاء مجلس 1993 من خلال قانون الصوت الواحد غير المتحول.