التوريث بنسخته الجديدة

المحامي علاء الكايد
تترد أسماء لشباب وشابات ينوون خوض غمار الإنتخابات النيابية كبدلاء لآبائهم وأشقائهم في الجولة المقبلة ، وقد تكون هذه نسخة جديدة من ( التوريث ) لكن بصورة مختلفة ، وبعبارة أدقّ ؛ هي إحدى صور تمدّد ظاهرة التوريث من ملاك السُّلطة التنفيذية إلى التشريعية وهنا بيت القصيد .

وباديء ذي بدء ، لا أدّعي إحتكار الحكمة بل أشتبك مع الفكرة من باب الرأي والرأي الآخر نظراً لطبيعة المسألة وعموميتها وتعلقها بشأن عام معروض على الملأ ، علّنا تستفيد من تجارب الغير كالأشقاء في الجمهورية اللبنانية الذين باتت هذه الظاهرة لديهم عصيّةً على التجاوز ، كما بدأت تتكرّس كذلك في المملكة المغربية الشقيقة منذ العام ٢٠١٦ وفق ما سمّي بـ ” العائلات البرلمانية” رغم عدم إعتبارها مشكلة هناك نظراً لإلتزامها بتقاليد العمل الحزبي المترسخ .

ونحن هنا لا نذمّ الخلف أو السّلف داخليّاً – لا قدر الله – ، ونُقِرّ بحقوقهم الدستورية كمواطنين يتمتعون بكامل الحقوق السياسية ، وبإحترامنا لمن يفرزه الصندوق كخَيار جماهيريّ ، لكنّ الفكرة قد تعزّز حالة الإحباط المسيطرة على الطاقات الشابّة التي لا تمتلك رصيداً عشائريّاً يقبل التجيير كما لدى البعض ، كما أن ذلك أكثر إمتداداً من حيث الأثر والإستمرارية حيث يستطيع أصحاب القرار في السُّلطة التنفيذية مجابهة حالة التوريث هناك بينما ستتكلّس فكرة التغيير في التشريعية إذا نجحت لعبة تبديل الوجوه وحافظت مراكز النفوذ الجهويّة على حصّتها في الشارع نظراً لإستمرار ذات المعادلة المشكوّ منها وغير المنتجة وهي نائب العشيرة والخدمات ، وسيتبدّل جيلٌ مُحبَط بآخر عدِم الوسيلة نحو التغيير وتستمرّ المسيرة على ذات الوتيرة إلى المالانهاية ، فأين هو التّغيير المنشود ؟!

ولا شكّ أنّنا لا نستطيع الحُكم بعدم صلاحية الفكرة قبل إختبارها لكن القياس ممكنٌ في هذه الحالة كما سلف وبينّا من تجارب عربية ، فحتّى اليابان الديموقراطية واجهت هذه الظاهرة بعد سيطرة العائلات البرجوازية على الحزب الليبرالي الديموقراطي الذي إحتكر السلطة هناك على مدار خمسين عام .

ففي الوقت الذي يُطَالبُ فيه بتغيير النهج ويُشَجّعُ الشّباب لقول كلمتهم نجد أن النَّهج يُختزل بإحالة الأسلاف أنفسهم إلى التقاعد متبرّعين لأبنائهم وبناتهم وأشقّائهم بالصناديق المحتوية على الرّصيد المقترن بالنفوذ الجهويّ ، فما القيمة المضافة في التغيير إذاً ؟ وهل هو تغييرٌ أم تبديلٌ وتجيير ؟!

إن الوطن بحاجة إلى شبابه وشاباته من أصحاب الفكر المستنير ، ولا جدال في أن أبناء تلك الطبقة وبناتها قد تلقوا التعليم المتقدّم نسبيّاً وتدرّبوا مبدئيّاً على أصول وأدبيات التمثيل النيابيّ وميكانيكياته الإجتماعية ، لكن ؛ ما هو رصيدهم في العمل العامّ ومضمار السياسة ؟ وما هي المزايا التي سيقدمونها وهم ينطلقون من ذات القاعدة دون أي مجهود أو بصمة فارقة ؟ أي بذات النهج والأدوات !
فلو كانوا سلكوا سبيلاً آخر بهدف الوصول لإستبشرنا بنتيجة مختلفة بكل تأكيد ، لكن العكس بالعكس .

فعلى صعيد أعرق الدول ديموقراطياً نجد عائلات بعينها تحترف العمل السياسيّ وتتداوله جيلاً بعد جيلٍ لكن على أسسٍ حزبيّة بحتة ، يتشرّب خلالها الخلف الخبرة السياسية ويتدرج حتى ينافس على أسسٍ سياسية فكرية خالصة ، لتكون النتيجة مختلفة بالكامل عما نحن مقبلون عليه .

إنّ الوطن يتّسع للجميع ، وما من فردٍ أو جماعة يمتلكون حقّ إقصاء الآخر ولا نرغب في هذا بتاتاً ، إنّما التغيير المطلوب يحتاج تغيُّراً معقولاً في الأدوات والوجوه شكلاً وموضوعاً ، وبغير ذلك سنكون نسلك الطريق ذاته لكن بلاعبين جدد مكرّسين القبيلّة والجهويّة جيلاً بعد جيل ، حتى يرث الله الأرض وما عليها .

لم يصل التوريث في السُّلطة التنفيذية حدّاً يصلح لأن يسمّى بالظاهرة ، ومعظم أولئك تمرّسوا وإحترفوا العمل السياسيّ في أعرق مفاصل الدولة ، أمّا في النيابي ، فلا التأهيل كافٍ للقول بجاهزية الوارثين ، ولن يملك أحد للوسيلة لكبح جماح تلك الفكرة إذا ما تحققت ثم سيطرت وتغلغلت .

والله من وراء القصد