كتب الدكتور ماجد الخواجا
الحقيقة البائسة والمفجعة أن الشعب لم يطمئن يوما لكثير من تصريحات وقرارات الحكومات المتعاقبة، وهذا جاء نتيجة تراكمية الوقائع التي انحدر بها مستوى المعيشة للمواطنين مع عجز متنام للمديونية مع ترهل إداري متفشي، مع زيادة في الجباية الضريبية، مع بطالة متزايدة بشكل لا يمكن السيطرة أو الحد منها، مع عدم محاسبة أية حكومة على ممارسات ثبت فيها الفساد أو الخطأ المتعمد.
أما الحقيقة الثانية وهي الأدهى والأمر، فتبدو من خلال عدم نجاة أية حكومة من النقد القاسي لها، مع عدم الارتياح الشعبي لمعظم القرارات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة.
والحقيقة الثالثة تبدو في أن الحكومة ترحل ويرحل معها كل ملفاتها، ليبدأ عهد حكومي جديد مع ملفات جديدة.
لقد عاصرت وأنا أمارس الكتابة الصحفية العديد من الحكومات التي أشبعناها نقدا لكنها فازت من الغنيمة بالإياب.
عندما جاءت حكومة الرزاز ، كانت أمسيات الدوار الرابع في أوجها وكانت حكومة الملقي تلقي علينا وعودا، لكن تلك الوعود تتحول صباحا إلى جبايات جديدة ، عندما لم يبق من باب للمواطن إلا وولجته أصابع الحكومة بضريبة أو رسوم أو زيادة أسعار ، ونذكر تلك الليلة العصيبة عندما صحونا صباحا على رفع أسعار 167 سلعة أساسية ومنها ما كان يسمى بالخط الأحمر أو الجدار الأخير مثل ( الخبز)، والمفارقة أن الحكومة الملقية خرجت ثاني يوم لتعلن أن العجز المالي والمديونية قد ازدادت، وجاء خبر إقالة حكومة هاني الملقي ليخفف من درجة الاحتقان الشعبي، وكان لاسم الدكتور الرزاز وقعاً إيجابياً لدى المحتجين من المواطنين، فهو لم يعرف عنه أية قضية فساد، ولا يستند لطائفة أو جهة محددة بحيث تحتج عليه شرائح المجتمع الأخرى، وأيضاً لديه من المهنية والكاريزما المعقولة والكافية لإدارة شؤون الحكومة بأداء يرتقي إلى طموحات الشعب وآماله.
837 يوما عمر حكومة الرزاز ، أي ما يقرب من سنتين وثلاثة أشهر، أجرى فيها أربع تعديلات على الحكومة، ولم يقنع أحدا بتلك التعديلات التي دلت على ارتجالية انتقاء الوزراء، وهذه سمة ليست مقصورة على حكومة الرزاز ، بل تكاد تتسم بها مختلف الحكومات، لأن طريقة الاختيار للوزراء عبارة عن هجين ، فلا هي طريقة اختيار سياسية ولا هي طريقة اختيار تقنية فنية، أي أن الوزير لا يعبر عن أية خلفية حزبية أو سياسية بحيث يبرر له عدم فهمه لعمل الوزارة الفني، ولا هو بالوزير التكنوقراط بحيث يبرر له عدم درايته السياسية، لهذا شاهدنا عديد من الوزراء لا يستطيعون الخروج بتصريح سياسي موزون عن عملهم، كما أنهم لا يستطيعون الدراية الفنية المتخصصة في عمل وزارتهم.
مع مجيء الرزاز ، فقد عول الشعب لدرجة جيدة على تغيير النهج الحكومي ، بل هناك من رأى فيه أنه يعبر عن طموحات المتظاهرين خارج الدوار الرابع، ولم يدر بخلدهم أن الرزاز خارج الرابع لن يكون هو ذاته داخل الرابع.
لقد أمضت حكومة الرزاز أكثر من 18 شهر قبل جائحة كورونا وهي تحاول إقناع نفسها وإقناع الشعب أنها تمسك بزمام الأمور، لكنها وبكل أسف لم تستطع أن تصمد على قرار واحد إلى النهاية.
وجاءت الجائحة بنذر الخوف من عدم مقدرة الدولة على تجاوزها، حيث كانت البدايات واعدة وكانت التصريحات المتوالية والمفعمة بالتفاؤل والتحدي، لكنها سرعان ما أصبحت مجالا واسعا للنقد والتندر مع الظهور السينمائي لعديد من المسؤولين الذين دخلوا البيوت الأردنية كل مساء ليتحدثوا عن انجازاتهم الشخصية، حتى أن اللقاءات الإعلامية أظهرت درجة الصراع الشخصي بين الوزراء، لولا أن تدارك الرزاز المشكلة بالتقليل من ظهور ما سمي بفريق التأزيم الحكومي.
كيف نقرأ أداء حكومة الرزاز ؟
– لم تستطع الحكوم إقناع المواطنين في كثير من قراراتها وممارساتها.
– لم تستطع الحكومة الوفاء بكثير من التزاماتها تجاه حياة المواطنين الاقتصادية. بل إن الحكومة وبالأرقام لم تحقق طيلة عهدها من الالتزامات سوى 20% اكتملت و 50 % جاري التنفيذ، وهذا حسب تقرير راصد.
– لم تقدم الحكومة أية بوارق أو بوادر للخروج من حالة الانكماش الاقتصادي المتواصل.
– لم تستطع آلة الإعلام الرسمي الدفاع عن كثير من قرار ات الحكومة.
– هناك عديد من الوزراء في الحكومة ساهموا بإفشال مخططات الحكومة وإمكانيات النجاح ولو بمشروع واحد ومن ذلك حكاية التشغيل لا التوظيف، خطة الموارد البشرية، خطة التحفيز الاقتصادي وغيرها.
– لم يستطع الرزاز الوفاء ببعض تصريحاته للمواطنين بأنهم سيشعرون بالتحسن للأوضاع الاقتصادية.
– لم تمارس الحكومة الوضوح والجرأة والصراحة والشفافية في اطلاع المواطنين على الواقع الاقتصادي والمالي للدولة.
– لم يخرج مسؤول حكومي عبر وسائل الاعلام ليتحدث عن أية مبررات بشكل موضوعي يحترم عقول المواطنين.
– لم تقنع الحكومة المواطنين بحكاية التسعير الشهري للمحروقات والذي تشير الأرقام أن الأردن من أعلى الدول في العالم ارتفاعا لأسعار المحروقات.
– لم تقنع سياسة الحكومة الخارجية المواطنين بأنها عازمة وصادقة في جلب المنح والاستثمارات.
– لم تقدم الحكومة فاسداً واحداً بالحجم العائلي الكبير إلى أية محاكمة. ومن تم تقديمهم لم يتم إدانتهم.
– لم يقتنع المواطنون بتعيين موظفين في الإدارات العليا بالرغم من مخالفة الحكومة لتعليماتها، كما أنه تم تعيين العديد خارج نظام الخدمة المدنية وتعليماته.
– لم يصدر عن الحكومة أي تعديل لأي قانون شعر فيه المواطنون أنه لصالحهم.
– لم يقتنع المواطنون بالكيفية التي تم التعامل معها في أموال مؤسسة الضمان الاجتماعي، خاصة وأن الحكومة هي الضامنة والمؤتمنة على الشعب وموارده وتأميناته.
– مست قرارات الحكومة الفقراء من المواطنين في الصميم خاصة كتلك القرارات التي صدرت أثناء الجائحة وتسريح الآلاف من العمال أو تنزيل رواتبهم المتدنية أصلا.
– لم يقتنع الموظفون في القطاع العام بتعديلات نظام الخدمة المدنية الجائرة خاصة ما يتعلق بآلية تقييم أداء الموظفين والتي هدفها غير المعلن هو تسريح ما نسبته 2% من القطاع العام سنويا أي بمعدل لا يقل عن 3000 موظف إلى أن يصل حجم الموظفين للعدد المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي. كما أنه لا يعقل أن يتم فتح نظام الخدمة المدنية والتغيير فيه عدة مرات في أقل من سنة، وهو نظام يمس كل حرف فيه حق أو واجب على مئات الآلاف من الموظفين.
– كانت التصريحات بالرغم من شحها وندرتها لرئيس الحكومة إلا أنها لم تحظ بأي ترحيب من المواطنين وإنما حظيت ببعض من السخرية السياسية , والشعبية.
– لم يقدم مجلس النواب أي مشهد وطني شعبي يدلل فيه أنه ممثل للشعب بالدرجة الأولى بقدر ما أظهر أنه أصبح مجرد هيئة من الهيئات الرسمية ذات العلاقة الخاصة مع الحكومة.
– كان لغياب المعلومة وعدم الشفافية وعدم الاعتراف بما آل إليه الوضع الاقتصادي الدور الرئيس في زيادة الفجوة بين الحكومة والشعب.
– أثارت تعيينات خاصة بمواقع خاصة ورواتب خاصة لفئات من المحظيين بطغيان الشعور بعدم جدية الحكومة في محاربة الواسطة والفساد أو عدم مقدرتها على ذلك.
– كان في الحكومة وزراء لا يجدر أن يكونوا فيها نتيجة أدائهم الباهت أو نتيجة تداخل مصالحهم وأعمالهم مع أعمال وزاراتهم.
بالمناسبة : هل تصدقوني إذا قلت أن هذا التقييم هو قريب بنسبة كبيرة مما كتبته عن حكومات سابقة ومنها حكومة الملقي والنسور.