بسبب موقفة القومي العربي تجاه القدس .. أحمد عبد الباسط الرجوب

بسبب موقفة القومي العربي تجاه القدس … الأردن يواجه أخطاراً جدّية قد تكون كلفتها باهظة جداً …

كتب: أحمد عبد الباسط الرجوب

نتابع ببالغ من الحذر والترقب تدحرج تداعيات الاحداث في منطقتنا وما قد تتعرض له بلادنا الأردنية من أخطار جدّية، سببها ظروف إقليمية ودولية، والتي أتت من الموقف الأردني العروبي والمتشدد ضد قرار تاجر العقارات الرئيس الأمريكي ترامب بشأن اعتبار القدس عاصمة ابدية لدولة الكيان الصهيوني ، هذا الموقف الأردني والذي قاده جلالة الملك عبد الله الثاني ومن خلفة الشعب الأردني بكل أطيافه الشعبية والسياسية الامر الذي يقتضي الوقوف صفاً واحداً لحماية هذا البلد، والحفاظ على أهله، وهذه مسؤولية جماعية فرض عين لا يُستثنى منها أحد.

المخاطر التي تتعرض لها بلادنا هذه الأيام، في منتهى الجدية والخطورة، وربما تكون الأكثر خطورةً، منذ سنوات طويلة، فهو في ضائقةٍ ماليةٍ غير مسبوقة أمام تهديدات بقطع المساعدات وخاصة من الحليف التاريخي الأمريكي وتوقعات غياب الدعم العربي الخليجي على وقع تداعيات تباين الموقف الأردني مع هذه الدول من قضية القدس وما تمخض من قرارات قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول مؤخرا ،  كما ويضاف الى ذلك موازنة يعتريها العجز المتلازم والمتكرر والذي على اساسة اقتضت اتخاذ إجراءاتٍ اقتصاديةً بالغة القسوة على المواطنين، في وقتٍ يعانون فيها أصلاً من أوضاع اقتصادية صعبة، كما تهدده مخاطر أمنية جدّية، قادمة من الخارج، كونه يقع في منطقةٍ ملتهبة، تحيط به النيران من جهاتها الأربعة، فلا الصديق بقي على ودة والعدو الصهيوني غربي النهر لم يخفي حقدة ونزعته التوسعية والذي قد يُعرض بلادنا إلى مخاطر وجودية تنشأ عن استهداف الأردن والعائلة الهاشمية لا سمح الله وقدر.

كلنا يعرف بان بلادنا قد تعرضت في الماضي الى كثير من الازمات وبنفس الظروف ولكن بجهود المخلصين الشرفاء من اهل الرأي والعزم استطعنا مواجهة تلك الازمات بالاقتدار والمواجهة وعليه فإن مثل هذه الأوضاع تقتضي الانتباه جيداً للصف الداخلي، ورص الصفوف خلف القيادةالهاشمية لإعادة النهج والتعامل مع المحيط العربي والاقليمي وفق رؤيةٍ جديدةٍ تستلهم قيم السلم والأمن المجتمعي، والتصالح مع الذات، لا التناقض معها، ومقاتلتها وجلدها وكما هو مطلوب من الجميع التكاتف ليكونوا خط الدفاع الخلفي عن أمن الوطن، والرديف الجاهز لإسناد قواتنا المسلحة واجهزتنا الامنية المختلفة، لإمدادها بما تحتاج من روحٍ معنوية وثّابة، ودعم نفسي ولوجستي أيضاً، كي تبقى في كامل جاهزيتها لمواجهة أي أخطارٍ محتملة. ويحتاج هذا خلق أجواء تعبويه تصالحية في المجتمع، بعيدة عن أي مشاعر أو رواسب إن وجدت.

يُعتَبر الأردن نموذجاً للدولة الناجحة إدارياً على الرغم من التحديات الكبيرة التي تُواجه استقراراه من خلال النظر الى وضعة الاقتصادي وبؤر الصراع والتوترات الأمنية المحيطة بالأردن، ويُسهم تعريف الأصول والمنابت الفضفاض، والجغرافيا الأردنية المُتغيرة تاريخياً، وطبيعة الإرث التاريخي الهاشمي ذي الجذور الممتدّة إلى “سوريا الكبرى” والعراق وكما يُعدّ نموذج الاعتدال والبراغماتية الهاشمي أحد عناصر قوته ، وللحفاظ على ترابط كيان هذه الدولة، فإننا نعتقد بانه يلزم العديد من الإجراءات العاجلة لتحصين جبهتنا الداخلية من المخاطر المحدقة بنا، مع ما يقابلها بالإصلاحات الشاملة، والتي تتضمن الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي والتعليمي والصحي، وأيضا، وتوزيع الأدوار بين السلطات في البلاد، ومن خلال ذلك نرى باننا بحاجة ماسة الى بعض الإجراءات الضرورية لعملها لتدعيم جبهتنا الداخلية لتتكيف مع التغيرات السريعة والمتواترة في منطقة الشرق الأوسط والتي تندرج فيما يلي:

أولاً: إعادة منظومة الجيش الشعبي في البلاد

بالنظر الى طبيعة المعارك التي قامت بها القوات العراقية في تحرير المناطق التي ساد عليها تنظيم ” داعش ” الإرهابي والقوات الرديفة التي كانت تعمل على الأرض السورية مع الجيش العربي السوري لاحظنا بان الجيوش النظامية للدول لها القدرة على القتال والبلاء الحسن ولكن وجود القوى الشعبية المنظمة كان لها دورها المشهود في القتال والدفاع عن المناطق التي أسندت اليها والمساهمة في تأمين الاستقرار الاجتماعي والتنمية.

وفي هذا المقام فإننا نعرض هذا الموضوع الهام على حكومتنا لدراسته وعلى صفة الاستعجال ولإعادة تفعيلة واتخاذ القرار اللازم بشأن إعادة ” منظومة الجيش الشعبي ” في البلاد يأتمر بأمر رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة سيما وان البنى الهيكلية لهذا الجيش موجودة منذ سبعينيات القرن الغابر، وكاتب هذه السطور كان له شرف الالتحاق في احدى دورات هذا الجيش من خلال التدرب على استعمالات الأسلحة في مختلف أنواعها وعمليات الإسعافات والاخلاء وغيرها من العمليات العسكرية والتنوير حول الدفاع عن حدود الوطن والجهوزية الدائمة لمواجهة اية ظروف استثنائية، ودعم صمود المواطنين في مدنهم وقراهم.

وفي هذا السياق قد يطرح سؤال عن تمويل هذا الجيش فالجواب: كما تم تأمين موازنة لمجالس اللامركزية في موازنة 2018 قرابة 220 مليون دينار – والتي لم يتضح جدواها بعد – وأضافت عبئا على الموازنة، أيضا يمكن تأمين نصف هذا المبلغ لدعم إعادة منظومة الجيش الشعبي ليكون الرديف لجيشنا العربي والأجهزة الأمنية المختلفة…

ثانياً: تشكيل حكومة وطنية

أصبح تشكيل حكومة وطنية من الضروريات الهامة في البلاد وذلك لتخطي مرحلة السنين السبع العجاف التي عصفت بمقدرات ومقومات البلاد ولم تفلح فيها الحكومات المتعاقبة على إيجاد الحلول الناجعة لكثير من القضايا وفي مقدمتها القضية الاقتصادية وما صاحبها تسونامي المديونية الجاثمة على صدورنا في هرم بلغت قيمتها سبع وثلاثين مليار دولار والحبل على الغارب…

ان تشكيل حكومة وطنية يدشن دخول البلاد مرحلة جديدة من الاصلاح، تتخلص فيها البلاد من مشاكلها المزمنة بخاصة السياسية والاقتصادية وإلى التهيئة لمواجهة التحديات والمخاطر للمرحلة المقبلة وما يؤل الى توسيع دائرة المشاركة في تداول السلطة ومشاركة الأحزاب الاردنية كل حزب حسب وزنه السياسي.

وفي هذا الإطار فإن اختيار الشخصية الوطنية من الذين لهم الباع الطويل في الإدارة والاقتصاد وان لا يكوم ممن جثموا على صدورنا من رؤساء الحكومات السابقين ومثلهم من الوزراء الذين فقدوا الاهلية حتى في إدارة شؤون منازلهم … وإذا تم ذلك فالرجاء نقدمه الى سيد البلاد جلالة الملك بأن المجرب لا يجرب والثوب المستعار ذو الفتق مهما رتقته لا يكون ثوبا يستر العورة.

ثالثاً: الدور المنشود للحكومة الوطنية

إذا ما قدر الله وتم تشكيل الحكومة الوطنية بطاقم اداري اقتصادي، فإن امام هذه الحكومة اولويات وكما قدمنا في متن مقالنا هذا مهام جسام ندرج في رأينا من اهمها:

1.  الاستثمار كمحرك للنمو الاقتصادي

من خلال مراجعة التنمية الاقتصادية في الأردن نجد بإن التوجه الاقتصادي الاردني يصطدم بعدة محاور على رأسها أن المنظومة التشريعية المتعلقة بمناخ الاستثمار والمرتبطة بإجراءاته والتي تحتاج إلى عملية مراجعة شاملة بدءا من ضرورة العمل على التأسيس الإلكتروني للشركات وخفض فترة التأسيس وضغط إجراءاته مرورا بتعديل في تشريعات تأسيس الشركات وإجراءاتها وضوابط حوكمتها… وفي هذا الإطار يجب الأخذ في الاعتبار أن النمو المحدود لمعدلات اجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاردن لا يعود فقط إلى العوامل الجيوسياسية بالمنطقة أو للازمة المالية العالمية التي تلوح في الأفق فحسب، بل أن الأمر يتجاوز ذلك إلى عوامل داخلية تتعلق بإدارة مناخ الاستثمار ومعالجة معوقاته والقضاء على التداخلات الإدارية وطول فترة حسم الإجراءات الخاصة بالتراخيص والموافقات رغم الجهود التي يبذلها الملك والتي أتت على حوكمة اطارها الاوراق النقاشية الستة التي طرحها خلال الأعوام الثلاثة الماضية…

2.    ضرورات التعامل مع الدَّينْ العام المتنامي

إن الدَّينْ العام لن يتوقف عن النمو طالما كان هناك عجز في الموازنة، وإن هذا العجز لن ينتهي إلا إذا زادت التحصيلات الضريبية عن الإنفاق العام بأكبر من مدفوعات الفائدة على الدين القائم. وبصورة عامة كلما كان الدين العام كبيرا كلما زادت مدفوعات الفائدة، ومع بقاء الأشياء الأخرى على حالها، كلما زاد عجز الموازنة. وبهذا المنطق يتبين لنا أن الدين العام يغذى نفسه بنفسه، وكلما زاد حجمه كلما كان تخفيض حجم الإنفاق العام وزيادة التحصيلات الضريبية المطلوبة لضبط وإيقاف نمو هذا الدين أمرا صعبا ومؤلما، حتى يصل الأمر إلى نمو متسارع في الدين العام بصورة لا يمكن معها ضبطه أو التحكم فيه…

حمى الله بلادنا الاردنية من شرور المتربصين والمارقين والله على كلشيء قدير

السلام عليكم،

باحث ومخطط استراتيجي

arajoub@aol.com

رئيسي