قبل ايام قمت بزيارة خاطفة لمنزل الاخ والصديق الوفي معالي قفطان المجالي وزير الداخلية الاسبق .. وبعد انتهاء مراسم الاستقبال والترحيب وشرب القهوة السادة الكركية بادرته بسؤال كيف شايف الوضع وإلى إين نحن ذاهبون ؟ والمشهد مُقلق ولسنا في حاجة إلى شرب حليب السباع كي نقول اننا بأحسن حال مطمئنين على قادم الايام …… فكارثة كبرى أن يكون اليوم والغد كما كان في الامس فالاردنيين بداخلهم احلام مُرتبطة بطموحاتهم
فبادرني ابا فراس بالقول إينما تذهب ترى اليأس في وجوه الناس وتسمع منهم كلمة الاحباط والكُل يسئل في أي اتجاه نحن سائرون ؟ فالاحباط أفرز حالة من القلق والفوضى في حياة الناس وعمل على تعميق شعور الناس بفقدان العدالة الاجتماعية اضافة الى قضايا الفقر والبطالة … فالوعود من قبل الحكومات المتعاقبة كثيرة لكن للاسف دون نتائج
فهناك حقيقة لا يستطيع أحداً انكارها وهي عندما تتحقق العدالة الاجتماعية تنهض الدولة ويُحصن المجتمع من الانفجار … فالعدالة لها علاقة وثيقة بالأنتماء … والازمات حدث ولا حرج وهي نتاج سياسات حكومية فاشلة
فلدينا الكثير من الرجال وبنفس الوقت نفتقرُ إلى الحُكماء والعقلاء .. ودعني هنا أسرد لك قصص يعود تاريخُها إلى تسعينات القرن الماضي عندما كنت محافظاً لمحافظة اربد وقتها كان وزير الداخلية معالي نايف القاضي وحدثت مشكلة وفتنة كبرى في أحدى مدن الجنوب السياحية قُتل على أثرها اثنين من المواطنين خلال اشتباك مسلح مع القوات الامنية بسب عقارات مبنية على ارض الدولة ….
فلحظة وقوع الحادثة تحرك الوزير القاضي إلى قلب الحدث والتقى الناس وجلس معهم وحاورهم ونزع فتيل القنبلة واحتوى المشكلة عن ذرة أبيها وقام بتصفية الاجواء
وهذا الفعل لم يأتي من خلال قوة الوزير القاضي بصفته وزيرا للداخلية ويملك الكثير من ادوات القوة بل بمدى احترام الناس لنايف القاضي وثقتهم فيه ولهيبته وهيبة الدولة حينها
وهناك قصص أخرى مشابهة ففي عام ٢٠٠١ كنت أميناً عاماً لوزارة الداخلية وكان وزير الداخلية حينها معالي الدكتور عِوَض خليفات وحدثت مشكلة كبرى في مدينة العقبة من حالات شغب غادر على أثرها الوزير خليفات عمان إلى العقبة ومعه مدير الامن العام ظاهر الفواز وتم الجلوس مع الناس ومحاورتهم وتفهمهم لمشكلتهم التي تم حلها فوراً
وهذا يؤكد أن وجود الوزير والمسؤول بقلب الحدث ومع الناس له أثر كبير في حفظ هيبة الدولة وكرامة المواطنين وتصفية واحتواء الازمات اينما كانت وتحقيق العدالة الاجتماعية للجميع
فالقصص كثيرة لوزراء ومسؤولين احبتهم الناس ووثقت بهم ولطالما نزعوا فتيل ازمات كثيرة مرت على الاردن أمثال طارق علاء الدين و زيد بن شاكر و فتحي ابو طالب و رجائي الدجاني والدكتور عارف البطاينه وسالم مساعدة ومروان الحمود وعوني المصري ومحمد عضوب الزبن وعبد الرزاق النسور وعلي سحيمات والكثير من انماط تلك القامات التي لم تسعفني الذاكرة حالياً على ذكرهم
فجميعهم عُرف عنهم صلابتهم التي مهدت لهم سُبل تخطي العقبات والعراقيل بعزيمة لا تتزعزع وهمة لا تفتر وكان لديهم سعة افق وحنكة وفطنة وحسن ادارة وصدق .. ورؤية واسعة الافق بعيدة المدى لمصالح الاردن فقد كانوا يملكون من الحكمة ما يؤهلهم لادارة دفة الامور من خلال رجاحة العقل وصواب القرار بحيث جعلوا من الدولة مرجعية للسلوك
ولَم يسلكوا طُرقاً معوجة ولَم تكن لديهم علاقة في التجارة والبيزنس والكُميشن … فقد كانوا علامة فارقة في تاريخ الاردن
وتلك الشخصيات لن تتكرر حيث اجتمعت فيها القناعة وارتبطت بالناس بالزمان والمكان
فالاوضاع المُتردية تُفرز نتيجة يقينية هي أفتقدُنا لصنف نادر من هؤلاء الرجال … فمن أكبر مصائب الدولة الاردنية كانت عندما انخرط الغالبية في التجارة هم وابناءهم واصهارهم وقتها تم وأد الرجال والحكماء والعقلاء وبدأ التصحر الرجولي
وسائل أن يسئل كيف غاب هذا النوع من الرجال ؟ وهل غُيبوا أم تغيبوا ؟ أم تغايبوا ؟ فقد لا يعلم البعض ان أحد أسباب تدهور حالنا اليوم هو غياب الحكمة … ففي الوقت الذي يكثر فيه العقلاء والحكماء نستطيع تفادي أكثر الازمات التي تعصفُ بنا … فليس كل من اشتغل بالسياسة هو حكيم
فكل ما يدور حولنا يسحبُنا إلى الاسفل فلا يجب ان نُضيع المزيد من الوقت الضائع أصلاً في الفعل وردة الفعل فالبلاد بحاجة الى عقلاء وحكماء يقربون وجهات النظر ويبددون السُحب ….. فلا بد من موازنة الاحكام عند التصدي لقضايا تمسُ نبض الشارع
فنحن للاسف في زمن فاض ماض قاموسه نفاق وكذب وخداع وكراهية بغضاء … زمن كثر فيه الضجيج والعجيج .. زمن انقلبت فيه الموازين وبدا وجه الزمان حزيناً
المهندس سليم البطاينة