الاقتصاد الأردني في 2017: نقطة اللاعودة ؟! .. ليث العجلوني

كتب: ليث العجلوني

عانى الاقتصاد الأردني في عام 2017 من مشاكل اقتصادية متعددة، نجحت الحكومات المتعاقبة بترحيلها بمهارة، وكنسها تحت البساط لسنوات متتالية، الى أن وصلنا نقطة اللاعودة !!

الأرقام في 2017 تشير الى أننا ما زلنا نسير في ذات النفق المظلم الذي دخلناه منذ سنوات، حيث حققنا هذا العام نسبة نمو متواضعة في الناتج المحلي الاجمالي بلغت 2.1%، ووصلت نسبة البطالة الى معدل غير مسبوق (18.5%)، أضف الى ذلك ارتفاع العجز في الموازنة العامة، وتوقع البنك الدولي في التقرير الصادر عنه منتصف الشهر الجاري بوصول المديونية ما نسبته 97% من الناتج المحلي الاجمالي.

في ذات السياق، تأثر الاقتصاد الاردني في الأعوام الأخيرة من الفوضى في الاقليم، حيث تأثر الأردن باغلاق المعابر الحدودية مع العراق وسوريا، والتي تعتبر أسواق رئيسية للمنتجات الأردنية وممرات عبور لها أيضاً. كما تأثر اقتصادنا من الأزمة الاقتصادية التي تعانيها دول الخليج العربي والتي تعتبر أيضاً أسواقاً رئيسة للمنتجات الأردنية، عدا عن ارتباط الاقتصاد الأردني هيكيلياً بها من ناحية المساعدات التي تتلقاها الأردن من دول الخليج العربي، والاستثمارات الخليجية في الأردن، وباعتبارها مُشغلاً رئيسياً للعقول الأردنية؛ حيث تشكل حوالات المغتربين الأردنيين في دول الخليج العربي 71% من مُجمل حوالات المغتربين الأردنيين في كافة أنحاء العالم.

علاوة على ذلك، فإنه لم يعد من الممكن الاعتماد على المساعدات الخارجية، حيث أشارت دراسة صادرة مؤخراً عن منتدى الاستراتيجيات الأردني بأن الاعتماد على المساعدات الخارجية يؤدي الى زيادة المصاريف الجارية على حساب المصروفات الرأسمالية، وهو ما يؤثر بدوره على تقليص فرص تحقيق نسب نمو اقتصادي أعلى.

وبالنسبة للمساعدات أيضاً، تشهد الأردن في الآونة الأخيرة تضارُباً في المصالح مع حلفائها التقليديين، فمثلاً؛ هدد الرئيس الأميريكي دونالد ترامب صراحةً بقطع المساعدات الأمريكية عن الدول التي صوتت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على القرار الذي يُدين اعتراف واشنطن بالقدس كعاصمة لاسرائيل. أضِف الى ذلك الحديث المُتزايد في الأوساط السياسية والاعلامية عن تضارب في الأولويات واختلاف في السياسات الاقليمية بين الأردن وبعض الدول العربية المانحة.

حاصل جمع هذه العوامل يقودنا الى ما أسميته “نقطة اللاعودة”، حيث لا خيار لنا مع بداية العام الجديد سوا مواجهة مشاكلنا، واصلاح اقتصادنا، بالجوء الى حلول مُغايرة عن الطرق التي اتبعناها في التعامل مع قضايانا لسنوات طويلة.

على الجانب الآخر، هنالك العديد من الفرص القائمة التي يتوجب علينا اغتنامها، أبرزها؛ اعادة فتح معابرنا الحدودية مع العراق أمام الحركة التجارية، واتفاقية تبسيط قواعد المنشأ المُوقعة مع الاتحاد الأوروبي، وانفتاح القطاع الصناعي الأردني على أسواق جديدة مثل الأسواق الأفريقية، بالاضافة الى تعافي قطاع السياحة في الأردن. أيضاً، امكانية اعادة النظر بموازنة العام المقبل وتبَني سياسة مالية تذهب بجدية نحو الاعتماد على الذات، وتُنوع مصادر دخل الخزينة.

تعديل قانون ضريبة الدخل، من خلال زيادة شريحة المكلفين، وبطريقة أكثر تصاعدية، والأهم من ذلك أن تشمل مظلة ضريبة الدخل المغتربين الأردنيين حيث تُقدر حوالاتهم السنوية بـنحو 3.5 مليار دينار أردني. يتوازى مع ذلك، تخفيض الحكومة للانفاق الجاري، وتوجيه هذه المبالغ المُجمعة للانفاق الرأسمالي الذي من شأنه أن يحفز النمو الاقتصادي، ويرتقي بالبنية التحتية لجذب الاستثمارات للمناطق الأقل حظاً.

وبالنسبة للسياسة المالية أيضاً، أشار منتدى الاستراتيجيات الأردني في دراسته التحليلية لموازنة 2018 الى أنه من الضروري الالتفات الى بند نقات التقاعد ( تبلغ 1.321 مليار دينار) التي من المتوقع ان تنخفض الى نسبة الصفر بعد اخضاع الموظفين الجدد في الدولة منذ عام 1995 وموظفي الاجهزة الامنية في 2003 لمؤسسة الضمان الاجتماعي. وبناءً على هذا التغير فإنه من الضروري دراسة تطور هذا البند وبرمجة قيم الانخفاض به واستغلالها في استثمارات رأسمالية ذات ابعاد تنموية.

وبحسب تقرير أصدره البنك الدولي مؤخراً، فإن قطاع الخدمات كان الأكثر مساهمةً في الناتج المحلي الاجمالي وبنسبة 56%، وجاءت هذه النسبة نتيجة تعافي قطاع السياحة في الأردن بحسب البنك الدولي. انطلاقاً من هذه النقطة يتوجب علينا الاستثمار في البنية التحتية في المناطق السياحية، والعمل على ترويج الأردن سياحياً في الخارج، بالاضافة الى جذب الاستثمارات السياحية في الأردن بما يرتقي بالخدمات للسُياح ويخلق فُرص عمل للشباب الأُردني العاطل عن العمل.

ثاني القطاعات رفداً للاقتصاد الأُردني بحسب البنك الدولي كان القطاع الصناعي، والذي ساهم في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 24.8%، وهنا يجدر بنا التركيز على رفع جودة المنتجات الأردنية للاستفادة من اتفاقية تبسيط قواعد المنشأ المُوقعة مع الاتحاد الاوربي، بالاضافة لتعزيز قدرة المنتجات الأردنية على منافسة المنتجات الايرانية في السوق العراقية، ولتعزيز قدرة المنتجات الأردنية على المنافسة في الأسواق الجديدة مثل الأسواق الأفريقية، وهنا أتسائل لماذا لا نتطلع ايضاً الى اختراق أسواق امريكيا اللاتينية التي تُعتبر من الدول التي تنمو فيها الطبقة المتوسطة بشكل سريع وبالتالي يرتفع بها الطلب على المنتجات المُختلفة ؟!

خُلاصة القول، على الرغم من المشاكل والتحديات الاقتصادية التي يواجهها الأُردن، الا أن هنالك الكثير من الفرص تلوح في الأُفق يتوجب علينا استغلالها. نحن اليوم أمام نُقطة لا رجعة منها، فإما أن نستغل الفُرص المُتاحة ونواجه التحديات أو أن نزيد الأزمة عُمقاً!!

 

رئيسي