عقد البابا فرنسيس لقاء تاريخيا مع المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق علي السيستاني السبت، في لفتة قوية تدعو للتعايش السلمي في أرض عصفت بها الطائفية والعنف.
يأتي الاجتماع بين البابا والسيستاني في مدينة النجف المقدسة جنوبي العراق، في إطار جولة بابوية سريعة ومحفوفة بالمخاطر في العراق، وهي المرة الأولى التي يلتقي فيها بابا للفاتيكان بمرجع شيعي أعلى.
واصطف الأطفال في شارع ملوحين بأعلام العراق والفاتيكان لدى وصول رأس الكنيسة الكاثوليكية.
وسبق أن زار البابا، دولا يغلب المسلمون على سكانها مثل تركيا والأردن ومصر وبنغلادش وأذربيجان والإمارات والأراضي الفلسطينية، ودعا خلال هذه الزيارات إلى الحوار بين الأديان.
وبعد لقائه بالسيستاني الذي استمر 55 دقيقة، توجه فرنسيس إلى أطلال مدينة أور القديمة التي يعتقد أنها مسقط رأس النبي إبراهيم جنوبي العراق، حيث من المقرر أن يلقي كلمة خلال اجتماع ديني.
ومن المتوقع أن يقود البابا قداسا في كاتدرائية القديس يوسف للكلدان عند عودته جوا إلى بغداد.
والسيستاني أحد أهم الشخصيات في المذهب الشيعي سواء في العراق أو خارجه.
ويحظى السيستاني بنفوذ كبير على الساحة السياسية. وجعلت فتاواه العراقيين يشاركون في انتخابات حرة للمرة الأولى عام 2005، كما شارك بفضلها مئات الآلاف في قتال “تنظيم الدولة” الإرهابي المعروف بـ “داعش” عام 2014، وأطاحت أيضا بحكومة عراقية تحت ضغط الاحتجاجات الحاشدة عام 2019.
ونادرا ما يقبل السيستاني (90 عاما) اللقاءات، ورفض إجراء محادثات مع رئيس الوزراء العراقي الحالي ورؤساء وزراء سابقين، حسبما قال مسؤولون مقربون منه. وقال مصدر في مكتب الرئيس، إن السيستاني وافق على لقاء البابا بشرط ألا يحضر أي مسؤول عراقي الاجتماع.
وعُقد اللقاء مع البابا في منزل السيستاني المتواضع في حارة ضيقة في النجف وهو المنزل الذي يستأجره منذ عقود.
والسيستاني له مكانة رفيعة للغاية وسط الملايين من أتباعه الشيعة، وتدخل خلال منعطفات مهمة مع معاناة العراق من أزمة تلو الأخرى.
وبدأ البابا أخطر رحلاته الخارجية الجمعة، حيث توجه إلى العراق وسط إجراءات أمنية مشددة في أول زيارة بابوية للعراق لمناشدة قادة وشعب البلاد إنهاء عنف المتشددين والصراع الديني.
ونشر العراق آلافا من أفراد قوات الأمن لحماية البابا أثناء الزيارة التي تأتي بعد سلسلة من الهجمات الصاروخية والتفجيرات الانتحارية وزيادة في عدد الإصابات بكوفيد-19.
وقال البابا إن زيارته تهدف إلى التعبير عن التضامن مع الطائفة المسيحية في العراق والتي أصبحت تضم حوالي 300 ألف شخص أي خُمس عدد أفرادها قبل الغزو الأميركي عام 2003، وعنف المتشددين الذي أعقب الغزو.
وكان البابا السابق يوحنا بولس الثاني على وشك زيارة العراق، لكنه اضطر لإلغاء زيارة مزمعة عام 2000 بعد انهيار محادثات مع حكومة صدام حسين.
وخلال اجتماع مع مسؤولين عراقيين ودبلوماسيين في قصر الرئاسة، وجه البابا دعوة للعراقيين لمنح صناع السلام فرصة. وكان البابا (84 عاما) يعرج بشكل ملحوظ مما يشير إلى أن آلام العصب الوركي ربما عاودته من جديد.
وفي وقت لاحق، صلى البابا من أجل من سقطوا ضحية هجمات بدوافع دينية خلال زيارة لكنيسة في بغداد شهدت مقتل 50 مصليا على أيدي متشددين في عام 2010.
وتحسن الوضع الأمني في العراق منذ إعلان هزيمة “داعش” في عام 2017، لكن البلاد لا تزال مسرحا لتصفية حسابات دولية وإقليمية، لا سيما التنافس المرير بين الولايات المتحدة وإيران في الأراضي العراقية.
وبعد سنوات من العقوبات الدولية والحرب المدمرة مع إيران في الثمانينيات، أدى الغزو الأميركي إلى دخول العراق في دوامة صراع طائفي وسوء إدارة مزمن منذ ذلك الحين.