حل الأحزاب السياسية بين حكم الدستور ودور القانون
أ.د محمد الحموري
في عام 2015، أصدرت كتاباً بعنوان “المتطلبات الدستورية والقانونية لإصلاح سياسي حقيقي” ليجسد خارطة طريق تستجيب لتطلع الأردنيين في إصلاح السياسي الذي يأخذ القرارات ويضبط حركة الدولة باعتباره صاحب الولاية العامة. وكان من ضمن موضوعات الكتاب، موضوع الاحزاب السياسية في الأردن مقارناً مع دول الديمقراطيات المعاصرة التي تقودها وتدير شؤونها أحزاب تتناوب على الحكم وفق إرادة شعوب تلك الدول. وبالنظر الى أهمية الدور الذي تقوم به الأحزاب، فقد عرضت نصوص الدساتير في تلك الديمقراطيات التي جعلت مواطنها يستمد حقه في إنشاء الحزب من الدستور مباشرة، عند توافر الشروط التي فرضتها الدساتير لإكتساب المواطن هذا الحق، واستقر الحال لدى تلك الدول على ذلك على مدى القرنين الأخيرين.
وفي الأردن، فقد أخذ المشرع الدستوري منذ عام 1952 بذات المبدأ الذي استقر في الدول سابقة الذكر، عندما جاء نص المادة 16/2 من الدستور المتعلقة بإنشاء الأحزاب، على نحو يحاكي النصوص الدستورية المتعلقة بالأحزاب في الديمقراطيات المعاصرة.
فالمادة (16/2) من الدستور الأردني تنص على ما يلي:
“للأردنيين حق تأليف.. الأحزاب السياسية، على أن تكون غاياتها مشروعة، ووسائلها سلمية، وذات نظم لا تخالف الدستور”
ووفقاً لهذا النص، فإن اكتساب الأردني لحقه في إنشاء الحزب يستمده من الدستور مباشرة اذا توافرت ثلاثة شروط:
أولها ان تكون غايات الحزب مشروعة.
وثانيها أن تكون وسائل هذا الحزب سلمية.
وثالثها أن تكون أنظمة الحزب لا تحالف الدستور.
ويلاحظ هنا أن القاسم المشترك بين هذه الشروط الثلاثة هو، أنها مفروضة لحماية أمن الدولة ونظامها الدستوي والسياسي. ومن يتفحص نصوص دساتير الديمقراطيات سابقة الذكر، يجد أنها نصت بصيغة أو أخرى على ذات مضامين الشروط الثلاثة سابقة الذكر.
وفي هذا المجال، فقد كان القضاء الأردني قد دخل مبكراً بشكل ضمني وغير مباشر عام 1954 على نطاق عمل القاسم المشترك للشروط الثلاثة سابقة الذكر المتعلقة بحماية أمن الدولة ونظامها الدستوري والسياسي، إضافة الى نطاق الحق والحرية في مجال إنشاء الحزب السياسي وعمله عندما أرادت الدولة أن تتوسع في تفسير مدى سلطتها على حساب الحق والحرية في إنشاء الاحزاب وإطار عملها، حيث جاء في حكم محكمة العدل العليا رقم 45/1954 المنشور في مجلة النقابة لسنة 1955 ص430 ما يلي:
“لا يشترط قانون تنظيم الأحزاب السياسية على وجوب تعيين نظام الحكم المبين في الدستور الأردني في النظام الأساسي للحزب. وإن اشتمال دستور الحزب على العبارات:ـــ الوطن العربي وحدةً لا تتجزأ ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية أن يستكمل حياته منعزلاً عن الآخر، وحزب البعث العربي اشتراكي نضالي يؤمن بأن أهدافه الرئيسية في بعث القومية العربية وبناء الإشتراكية لا يمكن أن تتم الا عن طريق النضال،ـــ هذه العبارات لا تدل بشكل من الأشكال على أن أهداف الحزب المذكور مقاومة نظام الحكم القائم ونظام الدولة”
وهكذا، فإن درجة وضوح ما أسلفنا، جعلت رجل القانون أو غيره ممن لديهم اهتمام بالشأن العام، يدركون أن البديهيات تقتضي التأكيد على أنه لا يجوز أن ينص أي قانون تصدره الدولة على شروط أخرى تضاف الى الشروط السابقة المتعلقة باكتساب الحق في إنشاء الحزب أو عدمه. وبغير ذلك تكون تلك النصوص القانونية غير دستورية. ومن يدقق في نصوص الحقوق والحريات الدستورية الواردة في الفصل الثاني من دستورنا، يجد أن المشرع الدستوري في المادة 16/2، خرج على النسق الذي سار عليه في نصوص الفصل المذكور، المتعلقة بالحقوق والحريات، من حيث دور القانون في اكتسابها وممارستها وضوابطها وفُقدانها.
بل أن دساتير بعض الدول تطرفت في حمايتها للأحزاب. فالمادة (27) من الدستور البلجيكي على سبيل المثال، جاء نصها على النحو التالي:
“للبلجيكيين حق انشاء التنظيمات والمنظمات والمؤسسات، وهذا الحق لا يخضع لأية إجراءات تمنع ممارستها”
وهذا التشديد في حماية الحزب، أخذت به المادة (18) من الدستور الإيطالي. أما في بريطانيا، فقد بلغت درجة الحرص على عدم تأثير الحكومات على نشوء الأحزاب حداً، اقتضى أن يتم تسجيل نشوء الأحزاب في سجل خاص بها لدى مراقب الشركات.
وفي ضوء ما سبق، فإن حل الحزب السياسي في الأردن لأي مخالفة نص عليها قانون الأحزاب، ولا تندرج ضمن الأسباب الحصرية الثلاثة السابقة يشكل بالضرورة مخالفة للدستور.
أما دور القانون في موضوع الاحزاب، فقد نصت عليه الفقرة الثالثة من المادة (16) من الدستور، حيث جاء فيها “ينظم القانون طريقة تأليف الأحزاب السياسية ومراقبة مواردها”
ونتبيّن من صيغة هذا النص الذي أورده الدستور عن دور القانون في موضوع الأحزاب السياسية، أنه يقتصر على جوانب إجرائية شكلية وتنظيمية، لكنه لا يعطي لأي جهة سلطة الإستناد الى هذا النص لإضافة شرط رابع في القانون الى الشروط الدستورية الثلاثة يؤدي عدم توافره الى بطلان تشكيل الحزب أو حله. (وهذا ما تؤكده المادة 1/128 من الدستور)
إنني أؤكد أن الإستناد الى أسباب إجرائية أو تنظيمية وردت في قانون الأحزاب من أجل حل الحزب، تكون مخالفة للدستور حتماً، وما كان ينبغي للجان والأشخاص وأصحاب المهام الوظيفية في الوزارة المسؤولة عن الأحزاب أن تخالف الدستور.
Related