الأزمة السورية.. عقد من الكوارث والأزمات.. ما التالي؟
By on 17 مارس، 2021
الأردن اليوم :10 سنوات من الحرب والدمار والأزمات المتناسلة، المعيشية والإنسانية خاصة، التي ضربت مختلف مناحي الحياة ومرافقها، تحولت سوريا خلالها إلى بلد مستباح، لمختلف القوى الإرهابية والمتطرفة، وإلى ميدان صراعات ومقايضات دولية متداخلة، ولاحتلالات الأمر الواقع، للعديد من القوى الإقليمية، وعلى رأسها تركيا، حيث مناطق واسعة في شمال البلاد، تتعرض للتتريك من دون هوادة.
الواقع على الأرض في سوريا مأساوي، والأرقام والاحصاءات تكشف عمق الكارثة وفداحتها. ملايين من المشردين والنازحين داخل سوريا، فضلا عن ملايين نزحوا لخارجها، وللمهاجر حول العالم، وانهيار اقتصادي مريع بكل معنى الكلمة، حيث بات شبح المجاعة حتى يطل برأسه، في كثير من المناطق السورية المنكوبة، لدرجة بات مجرد الحصول على الخبز اليومي، هو منتهى ما يتمناه المواطن السوري، حيث تفشي الغلاء وارتفاع الأسعار الجنوني، والبطالة وتوقف عجلة الدورة الاقتصادية، وانهيار سعر الليرة السورية، وغير ذلك الكثير من ملامح وعناوين الانهيار الكبير، الذي بات يهدد البلاد، وسط مراوحة في المكان، لجهة البحث عن مخارج سلمية وسياسية، تحقن دماء السوريين وتوقف المذبحة المفتوحة، التي وإن خفتت وتيرتها هنا أو هناك، لكن المشهد العام يثبت أن البلد ماض في طريق الهاوية.
ووفق أرقام منظمة الأمم المتحدة وإحصائياتها، فقد أسفر الصراع في سوريا منذ اندلاعه في العام 2011، عن أكثر من 387 ألف قتيل، وأدى إلى استنزاف البنى التحتية والاقتصاد، ومختلف المرافق العامة، وشل مجمل مضامير الحياة، فضلا عن تشريد أكثر من 7 ملايين سوري داخل البلاد، ويعيش جلهم في المخيمات ومراكز الايواء في العراء، وفي ظروف قاسية ولا إنسانية، وتهجير 5 ملايين ونصف خارجها، ودوما وفق تقارير الأمم المتحدة.
وتقدر الأمم المتحدة أن مليوني سوري يعيشون في فقر مدقع، كما يكافح نحو 13 مليون نسمة، داخل سوريا للحصول على طعام قليل، بالكاد يسد رمقهم كل يوم، وفق برنامج الأغذية العالمي.
قرابة 5 ملايين نسمة ونصف المليون هربوا خارج سوريا، معظمهم إلى دول الجوار، مثل تركيا ولبنان والأردن والعراق، ثلثهم تقريبا من الأطفال دون عمر 11 عاماً، بحسب إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.
أكثر من مليونين ونصف المليون طفل سوري، خارج النظام التعليمي، بما يشبه تجهيلا مستداما لأجيال من السوريين، وتدميرا لمستقبلهم، ما ينعكس على تعميق الأزمة، وجعل تداعياتها طويلة الأمد، بحيث تستمر مفاعيلها التدميرية، لعشرات السنين القادمة.
بحسب منظمات دولية معنية بحقوق الأطفال، فإن 60 بالمئة من الأطفال في سوريا يعانون الجوع.
و13.5 مليون سوري من أصل 18 مليون هو عدد السكان الحالي بحاجة إلى مساعدات إنسانية، و6 ملايين منهم بحاجة ماسة لتلك المساعدات، وفق الأمم المتحدة.
نحو 450 مليار دولار هو إجمالي الخسائر المالية، التي مني بها الاقتصاد السوري، بعد 8 سنوات من الحرب فقط، وفق تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في تقرير صدر العام الماضي.
91.5 مليار دولار هي قيمة الخسائر التي تكبدها قطاع النفط والطاقة في سوريا وقس على ذلك بقية القطاعات الانتاجية.
20 دولارا هو متوسط الراتب الشهري للموظفين، في القطاع العام في مناطق سيطرة النظام السوري، مطلع العام 2021.
50 دولارا متوسط راتب الموظفين في القطاع الخاص.
135 دولاراً تكلفة السلة الغذائية الأساسية، لأسرة مكوّنة من خمسة أفراد لمدة شهر.
هذا كله غيض من فيض الأرقام الكارثية والمهولة، التي تظهر الدرك الذي وصلته سوريا، ووصله السوريون.
ومع هذه الكارثة الإنسانية الكبيرة، التي تتفاقم يوما بعد يوم، سياسيا لا نهاية تلوح في الأفقين القريب والمتوسط، للأزمة الوجودية هذه، فلا مبادرات جدية حول العالم لوقف الحرب وانهاءها، ما خلا المبادرة الإماراتية الأخيرة، التي لا زال مبكرا بحسب المتابعين الحديث عن نتائجها، وحظوظ نجاحها وتفاعل مختلف الأطراف المعنية معها، كونها أطلقت قبل أيام قليلة، عشية ذكرى مرور عقد على الحرب السورية.
ومع نجاح النظام في البقاء ولو بهذا الشكل المهين والدموي الباهظ التكلفة، كما يرى مراقبون للأزمة السورية ومع فقدان “المعارضة” بدورها أدنى مصداقية لها كما النظام، فإن الوضع العام كما يحذرون، متجه نحو مزيد من الانهيار والتصدع والتقسيم، واقتطاع أجزاء واسعة من البلد، من قبل قوى إقليمية متربصة، ما يستدعي مواقف دولية وعربية حاسمة، لبلورة حلول واقعية وعملية، وممارسة ضغوط لوضع حد للمأساة المنفلتة من كل عقال، حيث تتراكم الأكلاف الإنسانية والمادية الباهظة، ما يضع مصداقية المجتمع الدولي على المحك .
يقول محمد الأنور نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام المصرية في حوار مع موقع سكاي نيوز عربية: “في مثل هذه الأيام قبل عشرة أعوام، كان السوريون يحلمون بمستقبل أفضل، من خلال التغيير وطرح توقهم لحياة كريمة، حيث انطلقت آنذاك تظاهرات صغيرة بمطالب بسيطة ومحدودة، في عدد من المدن السورية، لكن النظام السوري واجهها بغباء سياسي وبالرصاص الحي، وكان يمكن احتواء الأمر ومعالجته، لو أن النظام كان يملك الحكمة والوعي”.
ويضيف: “وهكذا قبل 10 سنوات بدأت هذه المأساة السورية، وتفاقمت سنة تلو سنة، وسط صمت دولي مريب، حيث الكل يقتل الكل في سوريا، عربا وكردا وسنة وعلويين.. وتحولت البلاد ساحة، لتصفية الخلافات والحسابات الطائفية والمذهبية، العابرة لحدودها حتى”.
ويردف: “ويستمر نزيف الدم في البلد، واستنزاف مقدراته وطاقاته، والذي كان يتمتع بتوازن بين ثرواته الطبيعية، وعدد سكانه، حيث كانت سوريا تتمتع باقتصاد نشط وقوي، وكانت تشهد نهضة صناعية واعدة”.
ويسترسل نائب رئيس تحرير “الأهرام” المصرية: “سوريا الآن ميدان مفتوح ومستباح، وعلى مدى 10 سنوات خلت، وهي تعيش مذبحة يومية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وجرائم حرب تقترفها، مختلف الأطراف المتورطة في الصراع، داخليا وإقليميا ودوليا”.
ويردف: “الآن هناك ملايين الأسر والعوائل السورية المشردة، في الخيام وفي العراء، هذه المأساة التي مر عقد كامل عليها، تقتضي أن يلتفت جديا لها العالم والعرب خاصة”.
ويضيف “للأسف الدور العربي غائب في سوريا، حيث لا وجود لقوات عربية مثلا على الأرض هناك، فيما يتواجد كل من هب ودب في الساحة السورية”.
ويتابع: “الأزمة السورية التي هي جرح عربي نازف أساسا، يعمل الآخرون على تضميده كما يدعون، ونأمل أن يتحول الدور العربي، من مرحلة العجز نحو الفاعلية، حيث يتعلق الأمر ليس بمستقبل بلد مهم كسوريا فقط، بل وبمستقبل المنطقة العربية ككل، وبمستقبل شعب بات في مهب الريح”.
أما الكاتب المختص في الشأن السوري جمال آريز فيقول في حوار مع موقع سكاي نيوز عربية: “بعد مرور 10 سنوات على الفوضى الدموية العارمة في سوریا، حان الوقت لكي يطرح السؤال التالي، على اللاعبين المتدخلين في الساحة السوریة: إلى متی ستكون سوریا عرضة للقتال والصراع بینكم؟ والخاسر الأول والأخير والضحیة الوحيدة، في کل تلك الصراعات، هو الشعب السوري المنكوب”.
ويقول: “في بدایة تفجر الأزمة في سوريا، إبان رواج مصطلح الربيع العربي، كان هناك نوع من التحذير وعن حق من قبل الكثيرين، بأن الوضع في سوريا يختلف عن الوضع في مصر وتونس، وحتی عن الوضع في لیبیا والیمن، حیث ساق المحذرون جملة أسباب وجيهة، ثبت صحتها تشير إلى أن نظام الأسد لن یتخلى عن السلطة بالسهولة التي يتوقعها البعض، نظرا لطبيعة النظام نفسه، إلى موقع سوريا الجیوسیاسي، إلى أهميتها الاستراتیجیة بالنسبة لروسیا وإيران، وصولا لتعدد مكوناتها وإثنياتها”.
ويردف: “ومع ثبوت صوابية تلك الرؤية وبقاء النظام، إلا أن الضحية في هذە المعمعة الدموية، كان السوريون سواء من يعيشون في المناطق الخاضعة للنظام، أو تلك الخاضعة لما تسمى المعارضة”.
ويختم الخبير في الشؤون السورية بالقول: “من المحزن أن يكون السوريون المغلوبون على أمرهم، هم آخر من يعلم ما يخطط لهم ولبلدهم، في الصفقات والمقايضات والمؤتمرات، التي تجري في أستانة وجنیف وغيرهما، من سلاسل لا نهاية لها، حيث یقرر مصیرهم من قبل الدول الكبرى، ووكلائها الإقليميين والداخليين، أما أصحاب الشأن الحقيقيون، فلا حول لهم ولا قوة”.