من المؤسف جداً أن يصبح النقاش السياسي في الأردن لا يقارب أصل المشكلة .. فالوضع الراهن حالياً يطرح علامات استفهام حول قدرة الدولة على إحداث التغيير والبدء في الإصلاح ووقف تدهور مستويات معيشة الناس الذين باتوا يكتوون بنار الأزمات بحيث أصبحت مؤشرات التفاؤل لديهم صعبة المنال.
فالأردني لا يكاد يستيقظ من أزمة حتى يتم إدخاله في أخرى .. وكأن المطلوب اليوم أن يعيش في قلق دائم.
فالناظر إلى واقع البلاد يستعرض الوضع العام البائس للأردنيين .. ويجد نفسه أمام أسئلة صعبة أرهقت وأرّقت الكثيرين ؟ لماذا تسوء حالة البلاد من يوم لآخر ؟ ولماذا تغيب الحلول ؟
فتراكم الخيبات في مواجهة الأزمات تُضعف آلية المواجهة .. فحين قرر الإنجليز إنشاء الإمارة في عشرينات القرن الماضي و رسم الأدوار الوظيفية لها بحيث كانت حاضنة لإستقبال اللاجئين و المهجّرين من كافة دول الإقليم المجاور و خاصة فلسطين .. جعلها إمارة لا تعرف الإستقرار والرفاه بحيث تبقى عند كل هزة بحاجة إلى دعم ورعاية خارجية.
فمفردات الإصلاح والتغير التي نسمعها والتي ينبغي علينا التمسك بها تحتاج إلى فضاءات سياسية حقيقية .. فالإصلاحات التي تمت سابقاً وتم استردادها عنوة كانت فقط لتجاوز أزمات المراحل و لم تتم الإستعانة بالتاريخ لإستقصاء الأحداث لمعرفة الماضي .. فعلى الدولة حالياً أن تعود لقراءة ومراجعة المراحل السابقة لمعرفة الماضي الأليم .. فسياسة حرق المراحل باتت مُزعجة ولن تقود إلى إصلاح أو تغيير .. فكلما بلغت الأزمات إلى مستوى عميق وجب التفكير بحكمة و تروّي بحيث يتم وضع الإصبع على الجرح و معالجته قبل أن يتفشى في الجسد كله فيقضي عليه.
فالتغير السريع للحكومات وتدوير الأشخاص تسبب في أزمات داخل النظام السياسي وبات سمة من سمات عدم الإستقرار السياسي .. فلعبة التبديل والتدوير أصبحت تُشكل حالة صراع لا مجال فيه للضعفاء وأن تغيير الأسماء ما هو إلا فرصة لتداور المناصب بين الموروثين و أبناء الذوات.
ففي عالم السياسة كما قال أفلاطون أن هنالك طحالب و طفيليات لا تطفو على السطح إلا عندما تصل رائحة العفن إلى الأنوف و أساس الحكم و فضائله هي الحكمة و الشجاعة و العفة و العدالة.
فواقع حال الشارع الأردني يقول أن كل تلك التغييرات والتبديلات لن تُحدث فرقاً شاسعاً في مستوى معيشته.
رغم أن غالبية الحكومات السابقة كانت حكومات اجتياز حواجز فقط وكانت متخبطة لا تملك الرؤيا ولا تستطيع أن تعرف حجم المشكلة حتى تجد لها الحل .. وانسحبت من الإقتصاد ومارست السياسة دون إصلاح وكانت في حالة ترهل وضعف إلى حدود العجز.
فعلى صعوبة ما نحن فيه الآن إلا أن أزمة اللاجئين و أزمة كورونا قبل عام و نصف لم تكن السبب في وصولنا إلى هذا الحال المزري في مختلف القطاعات بل كانت الرافعة التي أزالت الغطاء عن المصائب التي نحن بها .. فالفيروس ساهم في فجر الدماملُ لتظهر أمراض التقصير وسوء الإدارة والفساد.
فوضع كل مشاكلنا على مشجب اللاجئين و كورونا فيه ظُلم كبير واستخفاف أكبر.
فالأردن معني بقوته الداخلية من خلال استقراره السياسي .. والبحث في مسألة الإصلاح والنهضة يعني البحث في ثنائية الفكر السياسي الإصلاحي وليس من خلال الوصفات الأحادية الجاهزة .. فما يميز الأزمات الأردنية عن غيرها من الأزمات هو عنصر المفاجأة وضغط الزمن.
فالساحة الآن ليست بحاجة إلى مزيد من التعقيد وإن ما يجري سيدفع فاتورته الأردنيين عبر الإنعكاس المباشر على تردي أوضاعهم المعيشية والإقتصادية .. فالأزمة المعيشية وانعدام هامش التجاذب السياسي أدى إلى خلل واضح في التركيبة البنيوية للسيستم وافتقاد الثقة بأدوات الدولة و ساهم في تغذية مشاعر الإحباط.
فحين يتوغل الفساد تتراجع هيبة الدولة ويفقد المواطن ثقته في كل شيء .. فالإصلاح لا شك أن له كلفة ومهما تكن كلفته اليوم فهي أقل من كلفته بعد أيام.
فالتغيير يبدأ بتغيير العقول التي أصابها الإستبداد بالكثير من التشوهات.
فقطاعا التعليم والصحة الإستراتيجيان أحدثا قطيعة اجتماعية واقتصادية وتفاوتات بنيوية شديدة الوقع لحالة الأزمة المُركبة التي تنهش السيرورة التنموية لبنية التعليم والصحة المهترئين .. فسابقا كُنا مستشفى للعرب ولكننا للأسف أصبحنا الآن مستشفى في الشرق الأوسط .. وجامعاتنا خرّجت الكثير من القادة والمسؤولين في شتى أنحاء الوطن العربي الكبير .. وما ينطبق على التعليم و الصحة ينطبق على النقل و الزراعة و الطاقة و الصناعة و البلديات و البنى التحتية.. علمًا بأن الصحة و التعليم هما الطريق الوحيد لنجاتنا من غرق لا فكاك منه.
فجميع الأردنيين يتطلعون إلى بدء حوار سياسي يصب في خانة الإصلاح والنهوض للحفاظ على النسق السياسي الأردني لبناء نظام سياسي واقتصادي وتشريعي وقانوني محوره الإنسان وعدالة اجتماعية أساسها المساواة لمحاولة الخروج من منطق الترقيع وأنصاف الحلول.
فالفقر السياسي أدى إلى قصور النظر في عديد من قضايانا الداخلية والخارجية وتسبب في أزمة وفجوة في توزيع السلطة السياسية والتي فاقت فجوة توزيع الدخل .. فلو كان هناك حد أدنى من الممارسة السياسية ما شهدنا ما حدث و ما يحدث حالياً .. فالضرورة تقتضي تجديد النخب السياسية و استراتيجيات العمل السياسي و الإقتصادي لتحسين الأداء بشكل صحيح.. فعلى ما يبدو أن عملية فرز النخب في الأردن تعطلت و ظلّت طريقها منذ سنوات طويلة و باتت أدوار البطولة تسند للهواة و الطارئين اللذين تسببوا في الكثير من قصص الفساد و الظلم بحق البلاد و العباد.
فما يتم حالياً في الإعلام هو استخدام نصف الحقيقة وتجزيء النصف الآخر حسب الرغبة لمحاولة تكوين رأي عام .. فإعلام الدولة يفتقد لعقل سياسي فما زال يعاني من الإنفصام ويقفز فوق السراب .. فتعدد المرجعيات الإعلامية نتج عنه جسم بعدة رؤوس وخيوط متعددة الألوان ولا أحد لديه القدرة على الإمساك بالخيط الصحيح.
المهندس سليم البطاينه