ماذا بعد اقتحام المسجد الاقصى المبارك

بقلم اللواء الركن المتقاعد: هلال الخوالده:

خاص بالأردن اليوم 

لقد عاشت اسرائيل في أوهام كثيرة واعتمدت على سياسة القمع والقتل والتشريد والاستقواء وتزوير الحقائق , سنين طويلة مرتكزة على قصص واهية أقنعت بها المجتمع الدولي المتواطئ ، والذي كان يعتبر اليهود بالنسبة لهم عقدة لا بد من التخلص منها.

في بدايات القرن الماضي توالت الحروب الإسرائيلية ضد دول وشعوب المنطقة اضافة الى الداخل الفلسطيني , وبدعم من القوه الغربية  خاصة الولايات المتحدة الأمريكية واليهودية العالمية .

أستمرت السياسة الإسرائيلية بالكذب , والقتل والتشريد والاستيطان , واستمرت الاجيال العربية والاسلامية الحرة برفض كل ما يدور ومضى الشعب الفلسطيني رافضا وصامدا قلعة حصينة بوجه كل السياسات المعادية رغم محاولات طمس هويته وزيادة مساحات الاستيطان من اجل تغير الواقع وتغير التاريخ, واستغلال وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي واستغلال حتى الجماعات المتطرفة  التي تصل الى الحكم في بعض الدول , والمساعدة في تشويه صورة الاسلام والمسلمين واسباغ صفة الارهاب عليهم واستغلال المذابح المزعومة “بقرتهم الحلوب”.

اضافة الى استخدام  العداء مع ايران وحزب الله وسيلة لاستعطاف العالم , الا ان  كل هذه المزاعم اصبحت تتكشف ,وتزايدت الاصوات المنادية بإعادة الحقوق الى أصحابها والوقوف الى جانب مطالب الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة , وحماية  المقدسات الاسلامية والمسيحية والمحافظة على الوضع القائم.

ورغم محاولات اسرائيل استغلال الفرصة الاخيرة المتمثلة – ب- ترامب – نتنياهو – كوشنر –” صفقة القرن” التي حاولوا تسويقها وتطبيقها , إلا ان رفضها من قبل الفلسطينيين اهل الحق ووقوف الملك عبدالله  الثاني  ابن الحسين والشعب الاردني في وجه الصفقة ورفضها جملة وتفصيلا رغم الصعوبات التي تواجه الاردن والتي يعاني منها اساسا خاصة الوضع الاقتصادي والمديونية هذه المواقف جعلت من الصفقة كأنها لم تكن من الأساس.

الحكومة الاسرائيلية في حالة تخبط نتيجة الاحداث المختلفة أهمها خسارة ترامب  في الانتخابات الرئاسية الامريكية , وانفتاحها على بعض دول الإقليم, وانتهاج السياسات القمعية العنيفة لتحقيق مكاسب سياسيه داخليه على حساب  حقوق الشعب الفلسطيني , رافق ذلك اقتحام الاقصى من قبل القوات الأمنية يرافقهم عدد من المتطرفين جعل الموقف الإسرائيلي يزداد صعوبة .

من خلال متابعتي للأحداث الجارية اري ان السيناريوهات المستقبلية للصراع ستكون كما يلي:

اولا- الاستمرار في سياسة القمع والقتل والعمل على تغيير الواقع الديمغرافي في القدس وبالقوة , ومهاجمة غزة جوا , والاستمرار في تهديد حزب الله وإيران والميليشيات الايرانية على الأرض السورية , مما سيجلب لإسرائيل المزيد من الانهيارات وكشف نقاط الضعف العسكرية والامنية والديمغرافية وهو وضع يكون قاتل لها , في حال استمرت على هذا الوضع .

البيئة الاستراتيجية لم تعد جاهزة لتقبل استمرار الكذب الاسرائيلي والتعنت وضرب كل المواثيق والقرارات الدولية بعرض الحائط , والاستمرار بأعمال القتل واللجوء الى القوة ضد المدنيين العزل تحت ذريعة الدفاع عن النفس , وهذا سوف يزيد من عزلتها على الساحة الدولية ويضاعف من تخبطها وبالتالي تآكلها من الداخل.

ثانيا – ستعود الى طلب التهدئة والعودة الى وضع ما قبل اقتحام الاقصى وقصف غزة , والاستمرار بنشر الاكاذيب والاشاعات واستغلال بعض الاتفاقيات لتحقيق مكاسب اقتصادية , وعقد اتفاقيات امنية للاستمرار بالظهور بدور الضحية لاستقطاب تعاطف الراي العام العالمي .

اسرائيل تعيش حالة من الفوضى والرعب والتوهان السياسي والوجودي خاصة بظل تحكم اليمين المتطرف واللجوء الى ممارسة العنف والإرهاب مع الفلسطينيين لتحقيق مكاسب سياسية شعوبية انتخابية .

كل هذا يدفع نحو المزيد من قوة المقاومة الفلسطينية   ويجعلها تستثمر نجاحاتها الميدانية ويجعل من خيار المصالحة الوطنية الفلسطينية خيار وأمر لا بد منه وهذا بالطبع ما لا تريده اسرائيل.

السيناريو الثالث : اجتياح غزة بالقوات البرية واحتلالها مرة ثانية وهذا السيناريو يبدو غير متوقع لكنه مطروح على طاولة الحكومة ,وهناك قناعات انه ربما تكون له نتائج ايجابية ,تتمثل في تفكيك البنى التحتية لحركة حماس , وتصفية قيادات فصائل المقاومة المختلفة, وتدمير منظومة ألانفاق وإسقاط حكم حماس .

يرى بعض قادة اسرائيل بان هذا السيناريو قد يكون المنقذ الوحيد والذي سيغير من الواقع السياسي والاحتقان الداخلي في اسرائيل ويجلب مؤيدين اكثر لنتنياهو  خاصة بعد زيادة قوة المقاومة وظهور قدرات صاروخية جديده جعلت من نظرية توازن الرعب اقرب الى الحقيقة حيث اصبحت الأهداف الاستراتيجية المختلفة داخل اسرائيل في مرمى صواريخ المقاومة ,مما يحقق في حالة المواجهة المزيد من الخسائر المادية والاقتصادية والسياسية والامنية اضافة الى الخسارة المعنوية وحالة الإحباط التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي, وهذا ما يجعل الصيف الاسرائيلي ملتهبا .

وما يزيد من عزلة اسرائيل ظهور عدم توافق امريكي – اسرائيلي بما يتصل بالملف النووي الايراني , مما يغري ايران لتدخل من خلال أذرعها في المنطقة خاصة حزب الله وهذا بالطبع مرهون بتغير مبادئ اللعبة بين ايران والولايات المتحدة الأمريكية  والمباحثات السرية حول الملف النووي والمكاسب التي يمكن ان تتحقق .

أما على مستوى الجيش الاسرائيلي الذي خاض تجارب مريرة في غزة سيكون الثمن الذي يدفعه باهظا  وسوف يتكبد مزيدا من القتلى والجرحى واختطاف الجنود والأسرى, وستجعل المقاومة الفلسطينية زمن الحرب طويلا وتسعى لانهاك الجيش الإسرائيلي  واضعافه وهذا يعني ان هناك أشهرا من الاستعداد والقتال وهو ما يتعارض مع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في شن حروب خاطفة وسريعة بسبب عدم تحملها الجهد والأعباء الاقتصادية والنقص في القوى البشرية , وانشغالها على عددة جبهات  فضلا عن طلبات وزارة الدفاع المالية التي ستواكب عمليات المواجهة والتي ستكلف الموازنة الكثير , اضافة الى الجيش الاسرائيلي سيجبر على القتال في بيئة عمليات  غير مناسبة له وسيكون  بمواجهة السكان بشكل مباشر.

 وفي النهاية فان اسرائيل بهذه الايام أضعف ما تكون , دولة تائهة تسيطر عليها العنصرية وقوى اليمين المتطرف , اضافة الى لجوئها الى استخدام القوة والقمع وعدم احترام المواثيق الدولية والمماطلة والسعي المستمر الى احداث تغيرات على ارض الواقع في القدس والضفة بشكل عام من خلال بناء المستوطنات , ايضا سعيها الى التنصل من اتفاقية السلام, مغترة بقوة وعنجهية قيادتها السياسية والعسكرية التي تقف ورائها مجموعات من اليمين المتطرف  وسيكون من نتائج هذا النهج هلاكها.

نسال الله لفلسطين وشعبها المناضل الثبات والقوة والمنعة وان نصلي جميعا في المسجد الاقصى وقد تحرر من دنس المجرمين