كتب : عمر رداد
حرب اسرائيل في مرحلتها الثانية على قطاع غزة بعد المرحلة الاولى التي ما زلت تشهد مواجهات في الضفة الغربية عنوانها القدس وحي الشيخ جراح، شهدت تحولات في المواقف الدولية وتحديدا في امريكا واوروبا، ومع ذلك فلا يمكن القول ان تلك التحولات اصبحت غير منحازة لاسرائيل ومؤيدة بالكامل لحقوق الفلسطينيين، اذ ما زالت الاغلبية الامريكية مع اسرائيل، فيما اصوات القيادات الديمقراطية التي تلتزم بالدفاع عن اسرائيل وتطالب بالاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين ما زالت أقل بكثير، وتعكس توجهات التيارات اليسارية داخل الحزب الديمقراطي.
لا شك ان امريكا بايدن والديمقراطيين اليوم ليست امريكا ترامب والجمهوريين المنحاز بالكامل لاسرائيل،فقد قدم بايدن وفريقه جملة من المواقف قبل تفجر الموقف في الضفة الغربية وغزة، تؤكد رفض انحيازات ترامب بما فيها الاستيطان والاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لاسرائيل، إضافة للتأكيد على الالتزام بحل الدولتين، وبالتزامن فإن أوروبا التي تعيش عقدة “الهولوكوست” لم يكن بإمكانها إلا الوقوف مع اسرائيل.
الموقفان الامريكي والاوروبي تضمنا قاسما مشتركا في التعامل مع التطورات التي تشهدها الأراضي الفلسطينية وجوهره التمييز بين ما يجري في الضفة الغربية تجاه الشيخ جراح بالقدس والاستيطان، وما يجري في غزة بين حماس والجهاد الاسلامي مع اسرائيل من تبادل لاطلاق النار، وظهور متغيرات نوعية تمثلت بقدرة فصائل المقاومة في غزة على تحقيق مفهوم توازن الرعب، عبر الكشف عن ترسانة من الصواريخ والطائرات المسيرة التي أثبتت قدرتها على الوصول إلى غالبية مناطق فلسطين التاريخية، وجعلت اكثر من ثلثي سكان اسرائيل يبيتون في الملاجيء، في صورة جديدة لم يشهدها المجتمع الاسرائيلي منذ عام 1948، وصلت إلى الحد الذي أصبحت تطرح فيه أسئلة وجودية كبرى حول المشروع الاسرائيلي ومستقبله، لا سيما بعد ظهور متغير نوعي جديد تمثل بتوحد الجسم الفلسطيني في الضفة والقطاع وداخل الخط الاخضر.
وبالرغم من تلك الصورة إلا ان ما يجري في الضفة الغربية من اعتداءات اسرائيلية كانت موضع ادانة من امريكا واوروبا، وتجديد التزام بالحقوق السياسية والمدنية للفلسطينيين، فيما كانت تلك الإدانة تنقلب إلى تأييد لاسرائيل في حربها ضد غزة بحجة أنها تأتي في باب الدفاع عن النفس، وحماية إسرائيل لمواطنيها من صواريخ المقاومة،وهو ما كان نتنياهو قد خطط له ضمن حسابات،بنقل المعركة من الضفة الى غزة،مدركا مسبقا ان أمريكا وأوروبا لن يكون بمقدورهما الا الوقوف ضد حماس والجهاد الاسلامي، بوصفهما منظمتان إرهابيتان من جهة، وتفسير “اعتداءاتهما” على اسرائيل بانها مرتبطة بتوجيهات ايرانية، التي تتطلع لتعزيز مواقفها في المفاوضات النووية في جنيف.
هذا الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة جاء ثمرة للانقسام الفلسطيني ،حيث استثمره نتنياهو باعتباره ورقة مهمة للخروج من مأزقه السياسي بعد فشله المتكرر في الانتخابات الاسرائيلية، وهو ما تدركه أوساط اسرائيلية معارضة له،طرحت تساؤلات حول الهدف من هذه الحرب التي يخوضها نتنياهو لحسابات شخصية،وظهور عورات اسرائيل فيها بما أظهرته المقاومة من قدرة على الصمود وكسرت هيبة اسرائيل وقوتها في المنطقة.
لم يخسر نتنياهو هذه الحرب لوحده، الذي أصبح استمراره على رأس الحكومة الإسرائيلية موضع شكوك،بل جر معه اسرائيل الى خسارات ربما ستظهر تجلياتها بعد ان تهدأ أصوات المدافع، فلم تعد اسرائيل بمشروعها الممتد من النيل الى الفرات قادرة على حماية حدودها، وبالتزامن هناك اليوم تيار عربي واسع لم يعد يقبل بانسحاب اسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران ،بل يطالب بعودة فلسطين من البحر الى النهر، وهو يرى ان الفرصة أصبحت مواتية.
وبالمقابل، فإن رهانات لها مسوغاتها تطرح حول كيفية توظيف النصر العسكري الذي تحقق في هذه الحرب فلسطينيا وتحويله الى نصر ومكاسب سياسية ،ويطرح تساؤلات حول مبررات استمرار الانقسام بين فتح وحماس،واستمرار رهن القضية الفلسطينية لحسابات حزبية ضيقة، في وقت أظهرت الممانعة والاعتدال العربي والإسلامي مواقف متقاربة لا تتعدى الاستنكار والتنديد.