الذهب والحليب.. تشابه غريب في طريقة التكون

لعقود طويلة، كان العلماء في حيرة تجاه عملية تكوين رواسب نادرة من الذهب عالي الجودة في أماكن مثل بالارات في أستراليا، وسييرا بالادا في البرازيل، وريد ليك في أونتاريو بكندا.

 

وفي الظروف الطبيعية تتشكل عادة عروق الذهب على مدى عشرات إلى مئات الآلاف من السنين، لكن في بعض الأحيان فإن عروق الذهب “عالية الجودة” يمكن أن تتشكل في سنوات أو شهور أو حتى أيام. فكيف تحدث هذه الظاهرة بهذه السرعة؟

من خلال دراسة أمثلة على هذه الرواسب من منجم “بروكس جاك” في شمال غرب مقاطعة كولومبيا البريطانية بكندا، كشف علماء من خلال دراسة نُشرت بدورية “بناس”، التي تصدر عن الأكاديمية الوطنية للعلوم بأميركا، أن رواسب الذهب هذه تشبه إلى حد كبير الحليب المخفوق.

وتُبيّن الدراسة التي أعدّها علماء من جامعة مكغيل بكندا، أنه عندما يصبح الحليب حامضًا (الحليب الرائب)، تتجمع جزيئات دهن الزبدة معًا لتشكيل هلام.

وتتشكل رواسب الذهب عندما يتدفق الماء الساخن عبر الصخور، مما يؤدي إلى إذابة كميات دقيقة من الذهب وتركيزه في الشقوق في قشرة الأرض عند مستويات غير مرئية للعين المجردة.

وفي حالات نادرة، تتحول الشقوق إلى عروق بسمك سنتيمترات من الذهب الخالص، ولكن كيف تُنتج رواسب نادرة من الذهب عالية الجودة من السوائل التي تحتوي على تركيزات منخفضة من الذهب؟

كيف يتشكل الذهب؟

من جانبه يحاول دنكن ماكليش الباحث الرئيسي في الدراسة الإجابة عن هذه التساؤل فيقول: “تكشف النتائج التي توصلنا إليها مفارقة تشكيل الذهب “عالي الجودة” أو “البونانزا”، الذي مثل لغزًا كبيرًا لدى العلماء لأكثر من قرن.

ويضيف: “كان التناقض في رواسب الذهب الضخمة التي وجدناها هو أنه ببساطة لا يوجد وقت كاف لتشكيلها، ومن الطبيعي أن لا تكون موجودة، لكنها الواقع يقول أنها موجودة بالفعل”.

ويتابع ماكليش بشيء من التوضيح: “نظرًا لأن تركيز الذهب في الماء الساخن منخفض جدًا، فإن كميات كبيرة جدًا من السوائل تحتاج إلى التدفق عبر الشقوق الموجودة في قشرة الأرض لإيداع تركيزات قابلة للتعدين من الذهب، وتتطلب هذه العملية ملايين السنين لمَلء صدع بعرض سنتيمتر واحد بالذهب، في حين أن هذه الشقوق عادة ما تغلق في أيام أو شهور أو سنوات”.

سائل أشبه بالحليب

يكمل أنتوني إي ويليامز جونز من قسم علوم الأرض والكواكب بجامعة مكغيل، الباحث المشارك بالدراسة توضيح الصورة قائلًا: “باستخدام مجهر إلكتروني قوي لمراقبة الجزيئات في شرائح رقيقة من الصخور، اكتشفنا أن رواسب الذهب المتجمعة تتكون من سائل يشبه إلى حد كبير الحليب”.

ويفسر هذه الظاهرة: “يتكون الحليب من جزيئات صغيرة من دهن الزبدة معلقة في الماء لأنها تتنافر، مثل الأطراف السلبية لمغناطيسين. عندما يفسد الحليب، تتفكك الشحنة السطحية، وتتجمع الجزيئات معًا لتشكل هلامًا”.

ويستطرد: “إنه نفس الشيء مع الغرويات الذهبية، التي تتكون من جزيئات الذهب النانوية المشحونة التي تتنافر مع بعضها البعض، ولكن عندما تنهار الشحنة، فإنها “تتبلد” لتشكل هلامًا. يتم حبس هذا الهلام في شقوق الصخور لتشكيل عروق الذهب عالية الجودة. الغرويات الذهبية حمراء بشكل مميز ويمكن صنعها في المختبر، في حين أن محاليل الذهب المذاب عديمة اللون”.

“أنتجنا أول دليل على تكوين غرواني الذهب والتلبد في الطبيعة والصور الأولى لأوردة صغيرة من جزيئات الذهب الغروانية ومجموعاتها المتدفقة على نطاق النانو. توثق هذه الصور العملية التي يتم من خلالها ملء الشقوق بالذهب، وتكشف كيفية تشكل عروق الذهب، بعد توسيع نطاقها من خلال دمج الملايين من هذه الأوردة الصغير”.

أهمية الاكتشاف للتعدين

ويقول العلماء إن نتائج الدراسة تمثل أهمية كبيرة للتنقيب عن المعادن وصناعة التعدين في كندا وحول العالم.

ويضيفون :”الآن بعد أن فهمنا أخيرًا كيف تتشكل رواسب الذهب، ستتمكن شركات التنقيب عن المعادن من استخدام نتائج عملنا لاستكشاف رواسب المعادن النفيسة، إلى جانب رواسب الذهب بشكل أفضل”.

ويشير العالمِان جونز وماكليش إلى أن الدراسات الجينية للمناطق المعدنية الأكثر خصوبة في كندا -مثل تلك التي قاما بدراستها في منجم “بروكس جاك”- مطلوبة لتحسين فهمهم لكيفية تَشكُّل الرواسب المعدنية ذات المستوى العالمي، وبالتالي تطوير استراتيجيات أكثر فاعلية لاستكشافها.