قرر مجلس النواب قبل أيام تجميد عضوية أحد أعضائه لمدة سنة كاملة، وذلك على ضوء ما صدر عن النائب المعني من عبارات تم اعتبارها بأنها تمس هيبة المجلس وسمعة أعضائه. إن هذه هي المرة الثانية التي يتم فيها إيقاع عقوبة تجميد العضوية في مجلس النواب خلال السنوات القليلة الماضية، حيث كانت المرة الأولى في عام 2013، على إثر وقوع حادثة إطلاق العيارات النارية داخل أروقة المجلس النيابي. وما يميز قرار تجميد العضوية الأخير أنه قد جاء مستندا إلى نص واضح صريح في النظام الداخلي لمجلس النواب، إذ تجيز المادة (160) منه تجميد عضوية كل نائب يسيء بالقول إلى سمعة المجلس. أما في عام 2013، فقد جرى تجميد العضوية بناء على فتوى دستورية محل خلاف، تقوم على إعمال مبدأ القياس في العقوبات الجزائية. فقد قيل في تلك المناسبة أنه طالما أن مجلس النواب يملك الحق في فصل النائب، فإنه من باب أولى أن يملك الحق في التجميد، وبأن من يملك الأكثر يملك الأقل. وقد أثار قرار التجميد العديد من التساؤلات حول دستوريته، إذ تمسك البعض بأن مجلس النواب لا يملك الحق في اتخاذ هذا القرار بحجة أن المادة (90) من الدستور تجيز فصل النائب فقط، وبأن قرار التجميد لم ترد الإشارة إليه في الدستور. إن قرار التجميد لا يشكل مخالفة لأحكام الدستور، فهو ليس طريقاً لإنهاء عضوية النائب، وإنما هو عبارة عن عقوبة برلمانية مقررة في النظام الداخلي، شأنها شأن باقي العقوبات الأخرى كالحرمان من حضور الجلسات ووقف المخصصات المالية. فالدستور الأردني لا يفترض به أن يتضمن العقوبات النيابية التي يمكن فرضه? على عضو مجلس النواب، إذ يكفي ورودها في النظام الداخلي الصادر بالاستنناد إلى الدستور، وذلك استنادا لمبدأ الشرعية الجزائية بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. إن تجميد العضوية لا يؤدي إلى فقدان العضو صفة النيابة، إذ يبقى محتفظا بمقعده النيابي الذي لا يعتبر شاغرا. فالنائب الذي تقرر تجميد عضويته سيحرم من حضور جلسات المجلس ومن مباشرة العمل البرلماني بسبب قرار التجميد. بالتالي، ستتوقف مخصصاته المالية، ولن يكون بإمكانه الدفع بالحصانة النيابية في مواجهة أي إجراءات جزائية قد تتخذ في مواجهته. وهذا الحكم يتوافق مع واقع الحال، فمخصصات العضوية تكون مقابل العمل النيابي، والحصانة النيابية التي تهدف إلى عدم تعطيل النائب عن حضور جلسات المجلس، ستنتفي الغاية منها في الفترة التي ?كون فيها العضوية النيابية مجمدة. كما لا يرد القول بأن تجميد عضوية أحد النواب سيحرم منطقته الانتخابية من التمثيل الديمقراطي في المجلس النيابي. فالنائب في الأردن يمثل الأمة بكاملها وليس دائرة انتخابية، وأن نظام التمثيل النسبي على مستوى القائمة الانتخابية المفتوحة المطبق حاليا، يفترض بأن باقي المرشحين الذين شاركوا النائب الذي تقرر تجميد عضويته في القائمة الانتخابية يتشاركون معه في الأهداف والبرامج. وعلى الصعيد القضائي، فإن قرار تجميد العضوية يعد من الأعمال البرلمانية التي لا تختص المحاكم الإدارية بالرقابة عليها. في المقابل، فهذا القرار يمكن لمجلس النواب نفسه الرجوع عنه، باعتباره صاحب الكلمة العليا في إدارة شؤونه الداخلية بنفسه. وهذا ما حصل في عام 2013، عندما تقرر إلغاء قرار تجميد العضوية على ضوء تقديم النائب المعني اعتذارا شخصيا للمجلس النيابيأستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
د ليث كمال نصراوين