كتب المهندس سليم البطاينه
الاردن اليوم – فجوة في الحوار والنقاش تحت قبة البرلمان أدت إلى ردود فعل غاضبة و إلى موجة عارمة من الغيظ والحنق خرجت عن السيطرة كان من المُمكن تفاديها.
فمن المؤسف جداً أن يُصبح النقاش السياسي داخل البرلمان لا يُقارب أصل المُشكلة .. وليس من المنطق أن ننتظر وقوع الازمات ثم نبحث عن حل لها بعد وقوعها .. فلا زلنا نغوص ونغرق في وحل أزمات لا نعرف ولا ندري من يصنعها.
فالمُخجل أن تُصبح كلمة طُز مشكلة أمنية تهدد استقرار البلاد .. فأزمات الغضب لا ينبغي لها أن تخضع للعشوائية و لسياسة الفعل ورد الفعل .. فلدينا كومة من الأزمات وحالات كثيرة من الغضب متعددة الأبعاد تمتد عرضياً و تستعصي عن الحل.
فحال البلاد مؤسف .. وفي كثير من الأحيان يُحار الإنسان ويسأل أين هو صوت العقل ؟ وإلى متى سيبقى غائباً ؟ فغيابه لن ينتج عنه سوى الفوضى والخراب.
فالمشهد السياسي الداخلي بلغ في حادثة النائب أسامة العجارمة حالة قصوى من الإستقطاب والتصعيد خصوصاً في ظل المناخات المتعفنة داخل الساحة الإعلامية التي ترفع الجدران ولا تبني الجسور.
فغياب صُنع القرار الحكيم والراشدُ أثناء الأزمات وغياب العقلاء يولد الكثير من حالات الغضب .. علماً بأن الوقت الذي يكثر فيه الحكماء نستطيع تفادي أكثر أزمات الغضب التي تعصف بنا .. فالدولة على ما يبدو باتت لا تعرف مواقع الوجع ولا تعرف تشخيص الآلام.
وهُنا نبدأ في السؤال الذي يبحث الجميع عن إجابة له .. لماذا لم يتم احتواء مشكلة النائب العجارمة داخل المجلس ؟ ولماذا فشل المجلس في إجراءات احتواء الغضب ؟ فالإحتواء هو فعل وقائي واستباقي ويُفترض أنه شكل من أشكال القوة الناعمة للبرلمان.
فالفقر السياسي لبعضاً من النواب وغياب استراتيجيات العمل السياسي وبؤس الرؤية ساهما في تأجيجُ المشكلة .. وهناك من يقول أن هاتف آخر الليل كان هو الضربة القاضية.
فتراكم الخيبات في مواجهة حالات الغضب تُضعف آلية المواجهة .. الأمر الذي يقودنا إلى موازنة الأحكام عند التصدي لقضايا قد تُثير الحساسية وتخلق حالة من الغضب .. وتمسُ نبض الشارع المُحتقن .. فكلمةُ طُز أحدثت ارتباك إدى إلى تضارب في الإجتهادات.
فكل ما يدور حولنا الآن للأسف يسحبنا إلى الأسفل .. فأزمات الغضب في الأردن بلغت ذروتها و البلاد تشهد عدة أزمات مترابطة ومتصلة ببعضها البعض ولا مخارج لها .. فجميع أزمات الغضب الحالية ما زالت مستفحلة إن لم تكن تتعمق أكثر فأكثر ، فهي متوالدة ونتاج سياسات فاشلة .. فالدول الفاشلة هي التي تعيش على الأزمات وإن لم توجد تصنعها.
فالناظر إلى واقع البلاد يستعرض الوضع البائس للأردنيين .. فسابقاً كنا نبحث عمن يفسر لنا الأحلام والآن أصبحنا نبحث عمن يفسر لنا الواقع.
فالواقع مؤلم ونحن من نحصد نتائجه .. والحقيقة ما زالت غائبة والضجيج داخلي .. فقد آن الآوان أن نُفكر بعقلية مختلفة وأن ننتقل من مرحلة الغضب إلى مرحلة الإستقرار ووقف نزيف الفوضى .. فلم تشهد البلاد حالات غضب وفوضى أكثر مما هي عليه الآن.
فما أكثر الأسئلة التي يسألها عامة الناس وانا واحد منهم ولا نحصل على إجابات واقعية .. فغالبية الأردنيين يعيشون اليوم في صمت كاذب لا يعرف الطمأنينية .. ويعيشون في أحلام الغد.
فالمعطيات التي تحكم مستقبل المشهد الداخلي كثيرة أولها : الإرتدادات الناتجة عن الأزمات وضغط الرأي العام والتلكؤ في عملية الإصلاح .. ووضع حد لعملية الأقصاء و التهميش.
فأستقرار الأردن هو عامود فقري .. والمعالجة الأمنية للأزمات باتت خيار يائس ومُقامر يطلب الصولد في لعبة البوكر مغامراً بكل أوراقه.
فلا بد من البدء في مشروع عقلاني يقوده عقلاء عبر تكريس عقلنة الدولة لإخراجها من الأزمات .. فجدار اليأس عن الإردنيين يرتفع يوماً بعد يوم و إختراقه بات صعبا.
فالأردن بحاجة إلى عقلاء يقربون وجهات النظر ويبددون السُحب.
فعندما يشتد الخناق الداخلي يلجأ أهل الحكم إلى طاولة الحوار للخروج بحلول للمشاكل والأزمات التي تُرخي بثقلها على البلاد والعباد.
فالمفروض أن البرلمان هو المؤسسة السياسية المُعبرة عن إرادة الشعب وهو الرافعة الاساسية لعمليات الإصلاح .. فعلامات الإستفهام كثيرة حول قدرته في الأيام القادمة على إحداث التغير ووقف تدهور مستويات معيشة المواطنين .. فمؤشرات التفاؤل به على ما اعتقد أصبحت صعبة.
أقول ذلك وأتألم ولا أدري هل ما زال الكلام مفيداً ؟ وهل ما نشهده من أحداث سيتم أخذه في عين الإعتبار ؟ فالكلمات الجارحة و المرعبة بحرق عمان ورفع أعلام خاصة بالعشائر تدل على أن واقع الدولة وصل الى مآلات من العدمية.
فدعونا نلتقي في الأيام القادمة لرسم آفاق جديدة لوطن ضاع بين أيدي الهواة والمراهقين.