هل تنجح الأحزاب الإسلامية الجزائرية في قيادة المشهد البرلماني؟

الأردن اليوم : تبحث الأحزاب الإسلامية في الجزائر عن تحقيق أول فوز لها في الانتخابات البرلمانية منذ 30 عاماً، بالنظر إلى الضعف الذي تعاني منه أحزاب السلطة، عقب سجن عدد من قياداتها.

ورغم تقهقر شعبية الأحزاب الإسلامية خلال العقود الثلاثة الماضية، بسبب مشاركة عدد منها في الحكومات السابقة، ثم انقسامها وتشظّيها، فإنها تطمح كمعظم أحزاب المعارضة الرئيسية لتحقيق فوز نوعي هذه المرة، فكيف تكون حظوظها؟

ضعف أحزاب السلطة في الجزائر فرصة للأحزاب الإسلامية

مع تأكد تورط قياديين ونواب في أحزاب السلطة الجزائرية التقليدية كجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، في قضايا فساد سياسي، لم يعد مقبولاً على الأقل من الناحية السياسية والأخلاقية تصدرهما مجدداً المشهد البرلماني، ما قد يؤجج الغضب الشعبي والاحتقان في الشارع.

ويدفع هذا الوضع الأحزاب الإسلامية إلى مقدمة المشهد السياسي، خاصة بعد مقاطعة الأحزاب العلمانية المعارضة للانتخابات. وقد لا ينافسها في هذه الانتخابات سوى القوائم المستقلة، التي تحظى بتشجيع من السلطات عبر منح الشباب الأقل من 40 عاماً تمويلاً لحملاتهم الانتخابية.

وتواجه قوائم المستقلين عقبة كبيرة تتمثل في عتبة 5%، التي تحتاج لتجاوزها للحصول على مقاعد، ما يعطي أسبقية إضافية للأحزاب الإسلامية، الأكثر انتشاراً وتنظيماً.

غير أن انقسام الأحزاب الإسلامية واستنزافها جزءاً من طاقتها في صراعات وصدامات داخلية أثر على سمعتها، رغم محاولتها جمع شتاتها عبر تحالفات فيما بينها لم تحقق النتائج المرجوة، لكنها هذه المرة فضلت الدخول منفصلة، لاعتقادها أن حظوظها أوفر هذه المرة، بعد أن غيّر الحراك الشعبي شروط اللعبة السياسية.

1- حركة مجتمع السلم

توجد حركة مجتمع السلم (أكبر حزب إسلامي) في موقع يؤهلها لإحداث مفاجأة في الانتخابات المقبلة، خاصة أنها حصلت على أكبر كتلة برلمانية بين أحزاب المعارضة في الانتخابات الأخيرة التي نُظمت في 2017.

ورغم أن حركة مجتمع السلم لم تحصل حينها سوى على 34 مقعداً من إجمالي 462 (7.35%)، في أسوأ حصيلة لها، إلا أنها حلت ثالثة خلف كل من جبهة التحرير الوطني (161 نائباً/ نحو 35%)، والتجمع الوطني الديمقراطي (100 مقعد/ نحو 22%).

فالحركة تتميز بانتشارها في معظم ولايات البلاد، وبقواعدها المنضبطة نسبياً، لكنها عانت من عدة انقسامات وخرج من رحمها عدة أحزاب على غرار حركة التغيير، التي عادت واندمجت فيها، وحركة البناء الوطني، وتجمع أمل الجزائر.

وهذا الانقسام هو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع حصتها من المقاعد في البرلمان، وقد يؤثر على حظوظها في الانتخابات المقبلة أيضاً.

ويقول رئيس الحركة عبدالرزاق مقري، إنه مستعد لقيادة الحكومة القادمة في حال فاز حزبه بالانتخابات، ووافقت مؤسسات الحركة على ترشيحه للمنصب. غير أن متابعين للوضع السياسي يستبعدون قبول السلطة الفعلية برئيس حكومة إسلامي بعد تجربة 1991.

لكن الرئيس عبدالمجيد تبون أوضح في حوار مع مجلة لوبوان الفرنسية، مؤخراً، أن “الإسلام السياسي الذي لا يُعطّل التنمية وتطوير البلد لا يزعجني”، في إشارة إلى عدم اعتراضه على تولي شخصية إسلامية رئاسة الحكومة.

وميزة حركة مجتمع السلم أنها سبق لها وشاركت في الحكومة، كما أن المحيط المغاربي يتميز بتقبل فكرة مشاركة الإسلاميين في الحكم على غرار تجربة حركة النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب، وحزب العدالة والبناء في ليبيا، والتجربة القصيرة لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل) في موريتانيا.

2- حركة البناء الوطني

ولدت حركة البناء الوطني من رحم حركة مجتمع السلم، وأسسها مصطفى بلمهدي، رفيق محفوظ نحناح، ومحمد بوسليماني، وثلاثتهم يشكلون النواة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر.

لكن بلمهدي ترك القيادة لعبدالقادر بن قرينة، وزير السياحة السابق، الذي ترشح لرئاسيات 12 ديسمبر/كانون الأول 2019، وحقق مفاجأة عندما حلّ ثانياً خلف المرشح تبون، بعد أن حصل على مليون ونصف المليون صوت.

وقبله تم اختيار القيادي في حركة البناء سليمان شنين لرئاسة البرلمان، في 2019 إلى مارس/آذار 2021، رغم الحزب لا يملك سوى 15 نائباً ضمن تحالفٍ لحركات إسلامية.

وتتحدث عدة مصادر أن حركة البناء الوطني هي من يمثل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين منذ 2014، وليس حركة مجتمع السلم.

ومع أن عمرها لم يتجاوز 7 أعوام فإن بن قرينة يتوقع أن تحتل حركة البناء المرتبة الأولى، وتكون شريكاً أساسياً في الحكومة المقبلة.

ويبني رئيس حركة البناء توقعه على نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة، لكنه كان المرشح الإسلامي الوحيد الذي خاضها، ما قد يفسر سر حصوله على 17.4% من الأصوات.

3- جبهة العدالة والتنمية

ويتزعمها عبدالله جاب الله، المعارض الإسلامي المخضرم، الذي أسس حركة النهضة في 1990، وحقق معها مفاجأة عندما حل رابعاً بـ34 مقعداً، قبل أن ينفصل عنها عقب قرار مجلسها الشوري دعم عبدالعزيز بوتفليقة في رئاسيات 1999.

وأسس جاب الله حزبه الثاني؛ حركة الإصلاح الوطني، وحقق معه مفاجأة ثانية بحصوله على 43 مقعداً في انتخابات 2002، محتلاً المرتبة الثالثة ومتزعماً التيار الإسلامي، بينما انهارت حركة النهضة بحصولها على مقعد وحيد.

غير أن جاب الله، الذي يتمتع بشخصية كاريزمية، تعرض لحركة تصحيحية أطاحت به من رئاسة الإصلاح، لكن لم ييأس بعد أن خسر ثاني حزب يؤسسه، وأسس حزباً ثالثاً تحت اسم “جبهة العدالة والتنمية” في 2011.

كان جاب الله يأمل أن يحقق مفاجأته الثالثة مع حزبه الجديد في انتخابات 2012، لكنه لم يحصل سوى على 7 مقاعد فقط.

بينما حاولت حركة الإصلاح تفادي سيناريو حركة النهضة في 2002، فتحالفت مع الأخيرة ومعهما حركة مجتمع السلم، فخسر ثلاثتهم، بعد أن حصلوا على 48 مقعداً، نزولاً من 60 مقعداً في انتخابات 2007.

ويأمل جاب الله أن يحقق مفاجأة جديدة هذه المرة، بعد أن تغيرت المعطيات، معتقداً أن الزمن أنصفه عندما رفض المشاركة في أي حكومة طيلة العقود الثلاثة الماضية رغم كل الإغراءات والمضايقات.

“الإسلاميون لديهم أكبر خزان انتخابي في الجزائر”

ويعتقد جاب الله أن التيار الإسلامي يملك أكبر خزان انتخابي في الجزائر، لكنه يرى أن مقاطعة أنصار هذا التيار للانتخابات السبب الرئيسي لضعف نتائج الأحزاب الإسلامية. وحذر مؤخراً من مقاطعة الانتخابات التشريعية المقبلة، قائلاً إنها “فعل سلبي لا يخدم الشعب، ولا يحقق التغيير المنشود”.

أما بالنسبة لحركتي النهضة والإصلاح، فمن المستبعد حصولهما على نتائج قوية، وأكثر ما يطمحان إليه الفوز بكتلة برلمانية من 10 نواب على الأقل.

كما انشقَّ عن حركة الإصلاح الوطني (مقعد واحد في تشريعيات 2017)، النائب جمال عبدالسلام، الذي أسس حزب الجزائر الجديدة، في 2011، لكنه لم ينجح في الحصول على أي مقعد خلال انتخابات 2012.

وينتظر إسلاميو الجزائر أن تقودهم انتخابات 12 يونيو/حزيران إلى “انتصار تاريخي” يسمح لهم بتشكيل حكومة ائتلافية، لكن تكرار هزيمتهم مع بدايات الربيع العربي في 2012 قد لا يكون مستبعداً تماماً، فأحزاب السلطة مازالت تملك هياكل قوية، وإن فقدت الكثير من رصيدها الشعبي.

"سياسه"جزائر"انتخابات"ديمقراطية"