كتب المهندس سليم البطاينه :
يسود هذه الأيام بالرغم من الإحباط واليأس والتدهور المعيشي وعدم الإستقرار جواً من التفاؤل الحذر بأن المستقبل قد يحمل نوعاً من التغير وأننا مقبلون على تحولات كبرى ، ومرد ذلك هو الحديث المتواصل عن المشاريع الإصلاحية والتي على ضبابيتها تبعث شيئاً من الأمل في نفوس الأردنيين المتعطّشين للتغير على مبدأ الغريق يتمسك بقشة.
فالجو التفاؤلي يجب إلا يُعمينا عن عدم الرضى و السخط الشعبي من الإعلانات المتواصلة بإتجاه التغير والإصلاح خاصة في ظل الأوضاع الإقتصادية التي تحمل مخاطر كبيرة أدت إلى حِراكات اجتماعية عبّرت عن ذاتها بمظاهرات احتجاجية مطلبية.
فالوضع الآن يائساً مُحبطاً نتيجة الإفقار والإستبداد ، فسنوات طويلة انتهت وللأسف بنوع من النوستالجيا لم يستطع العقل استيعاب ما حدث فيها .. فالحاضر حينها كان يُكتب بالمقلوب.
فالدستور الحالي لا يحكم مسار الأجيال القادمة ومراجعته تعد من أهم ركائز خارطة الطريق الإصلاحية .. والقواعد الدستورية ليست إلا انعكاس للواقع الإقتصادي والإجتماعي التي تُنظم الشؤون السياسية والإجتماعية .. كما أنها تعكس في نفس الوقت علاقات القوى داخل المجتمع.
فرغم قناعتي ومعرفتي بأن اللجنة الملكية المُكلّفة لن تستطيع بأي حال من الأحوال المرور من قُرب الدستور أو فتحه لعدم وجود جدّية في تفعيل توجهات الإصلاح .. لكن لا بد من معالجة ما طرأ من اختلالات في إدارة الدولة.
بحيث تستند فلسفة الإصلاح إلى قواعد أساسية في توزيع الصلاحيات وفصل السلطات وأن يستهدف الإصلاح مكونات الدولة كافة بِدأً من الدستور وانتهاءاً بالقوانين الناظمة للحياة السياسية.
فالإستقرار الإقتصادي والذي هو شُغلنا الشاغل لن يأتي إلا عن طريق إصلاحات سياسية ودستورية .. فالمتغيرات والتحديات الإقتصادية باتت هي المُتحكم الرئيس في رسم مستقبل الدولة إضافة إلى وجود حكومات ذات أفق إصلاحي مقبولة اجتماعياً .. وبرلمان يُمثل إرادة الشعب غير مزور يُفرزه قانون انتخاب عصري يتفق الجميع عليه عن طريق الإستفتاء الشعبي لأنه يسمح للشعب بحق البت في القرارات المصيرية .. فالإصلاح في النهاية هو تعبير عن إرادة الشعب.
فلا يوجد تشريع يعيق أو يمنع من تنظيم أي استفتاء شعبي منسجم مع المعايير الدولية بالإستناد إلى قاعدة قانونية ودستورية أنّ الشعب هو مصدر السلطات .. فالأخذ بنظام الإستفتاء الشعبي يُعد أهم وجوه الإصلاح وأهم عناصر التهدئة وأحد أدوات الإستقرار السياسي وقياس توجهات الرأي العام والذي من شأنه أن يُحقق حالة من التوازن بين الشعب والنظام السياسي.
فالثورة الفرنسية جاءت شعبية إلا أن نابليون حوّل فرنسا إلى إمبراطورية.
فالإصلاحات السياسية التي تمت في عام ٢٠١١ تم استردادها عنوة فقد كانت فقط لتجاوز أزمات المراحل .. وهذا ما تؤكده كومة الأزمات التي نحن بها الآن .. وهذا أيضاً ما تعكسه السّجلات السياسية في منصات التواصل الإجتماعي والتي لا حل لها إلا بتشخيصها ومعرفة أسبابها فقط .. مما يستدعي وجود إرادة سياسية عُليا تُمهد الطريق للإصلاحات وإعادة الحياة السياسية وتنظيمها بعد تفتت العشيرة التقليدية في إطار الصراع ما بين العشيرة والقوى الأخرى في مراكز القرار السياسي.
فمنذُ عام ١٩٩٣ والإصلاحات والحياة السياسية تُعاني حالة من الإنسداد والإختناق السياسي.
وهنا لدي اقتراح لمن يقودون العملية الإصلاحية الحالية التخفيف من الضخ الجائر للعبارات الإنشائية التي لا تُشبع جائعاً أو تُشغل عاطلاً.
فمصطلحات ومُفردات الإصلاح والتغير تحتاجُ إلى فضاءات حقيقية وصافية .. فما نفع الإصلاحات إذا كنت تحترمها وقت ما تشاء وتُحاربُها عندما تُزعجك .. فالخطاب الإعلامي للدولة مع الأسف ما زال يعاني من الشطح وعدم ملامسة الواقع المرير الذي نحن به.
فالتساؤلات كثيرة وبعضها مُقلق ؟ فكثير من أسماء اللجنة الملكية المُكلفة هم من الفئات التي تُعادي الإصلاح وتعتقد أنه في حال الإصلاح السياسي الحقيقي سينتهي دورهم.
ولا أعتقد أننا نستطيع مواجهتهم أو مواجهة قوى الشد العكسي الأخرى التي تقف في مواجهة المشروع الإصلاحي.
فلا زالت قضايا الإصلاح محل تجاذبات لما للإصلاح من أبعاد مرجوّة رغم أن غالبية الأردنيين لديهم قناعات بصعوبة التغير فالواقع أصبح عصياً على الإصلاح .. و لا نعرف هل كلمة طُز من شأنها تحريك المياه الراكدة .. علمًا بأنها تكررت في اليومين السابقين كثيراً.
فتهئية المناخ الصحي والمواتي للإصلاح سيضمن الإستقرار على المدى البعيد دون سُخط أو حراك مُضاد .. فسياسة حرق المراحل وشراء الوقت ستقود إلى دمار وخراب.
فعلى الرغم من عدم قناعتي بتلك اللجنة من حيث سوء اختيار بعضاً من أعضائها والتي سيستقيل الكثير منهم في الأيام القادمة .. إلا أن هذه اللجنة يجب أن تختلف عن عن سابقاتها من اللجان .. و على رئيسها أن لا يقبل إلا بالإختلاف لأن التساوي يعني الفشل.