الأردن اليوم – حققت جبهة التحرير الوطني، الحزب الحاكم في الجزائر، الفوز بالانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت السبت، وشهدت مقاطعة كبيرة إذ بلغت نسبة الإقبال على التصويت وفق الأرقام الرسمية التي صدرت الثلاثاء 23% فقط، في أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد.
وشكّل فوز جبهة التحرير الوطني (الأفلان) مفاجأة نظرا إلى التراجع الكبير الذي شهدته شعبيته بسبب ارتباطاته بالرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي دفعه الحراك للاستقالة في 2019، على الرّغم من أنّ هذا الحزب ما زال يتمتّع بقاعدة قديمة وواسعة.
وقال رئيس السلطة الوطنية المستقلّة للانتخابات محمد شرفي، خلال مؤتمر صحفي، مساء الثلاثاء، إنّ الجبهة حلّت في المركز الأول بحصولها على 105 مقاعد من أصل 407، يليها المرشّحون المستقلّون الذين حصدوا 78 مقعداً.
وأظهرت هذه النتائج الرسمية المؤقتة، أنّه على الرّغم من فوز الجبهة إلا أنّها سجّلت تراجعاً كبيراً على صعيد عدد المقاعد النيابية إذ إنّها خسرت 50 مقعداً وبات لديها أقلّ من ربع أعضاء المجلس الجديد.
بالمقابل حاز حليفها التقليدي حزب “التجمّع الوطني الديمقراطي” على 57 مقعداً (14%) وحلّ رابعاً.
أمّا الحزب الإسلامي الرئيسي في البلاد، حركة مجتمع السلم، الذي كان أعلن تصدّره الانتخابات، فحلّ ثالثاً مع 64 مقعداً.
وكان هذا الحزب استبق هذه النتائج بإعلانه أنّه حصل على أكبر عدد من المقاعد، محذّراً من أيّ تلاعب بالنتائج.
لكنّ رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ردّ خلال مؤتمره الصحفي الثلاثاء، بالقول إنّ “هذا البرلمان رسمت معالمه بكل حرية وشفافية من قبل الشعب”.
والجبهة أو “الأفلان” كما يطلق عليها في الجزائر (الأحرف الأولى من اسمها بالفرنسية: اف ال ان) كانت الحزب الأوحد في البلاد بعد استقلالها في 1962 وكانت لديها أكبر كتلة نيابية في البرلمان المنتهية ولايته.
وقال نائب رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان سعيد صالحي إنّها “نتائج غير مفاجئة لانتخابات مغلقة جرت في مناخ من القمع”، معرباً عن أسفه “لتفويت موعد آخر من أجل التغيير والديمقراطية”.
وفي مؤشّر على عدم مبالاة قسم كبير من المجتمع بهذا الاستحقاق فقد بلغ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 5.6 ملايين من أصل أكثر من 24 مليون ناخب، أي 23%، في نسبة مشاركة هي الأدنى في تاريخ البلاد، ليس فقط على صعيد الانتخابات التشريعية بل على صعيد الانتخابات بأسرها، بحسب السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وعلى الرّغم من العدد الكبير من المرشحين المستقلّين، فانّ نسبة الامتناع عن التصويت كانت أكبر من تلك التي سجّلت في الانتخابات الرئاسية في 2019 وفي الاستفتاء الدستوري في 2020، إذ بلغت في الاستحقاق الأول 60% وفي الثاني 76%.
وبالمقارنة مع الانتخابات التشريعية السابقة فقد وصلت نسبة الإقبال على التصويت في استحقاق 2017 إلى 35.7% وفي 2012 إلى 42.9%.
وقالت لويزا دريس آيت حمدوش، أستاذة العلوم السياسية في جامعة الجزائر، إنّ نسبة الإقبال على التصويت في انتخابات السبت كانت “منخفضة للغاية، وهذا الرقم يوضح إلى أيّ مدى لا تشكّل هذه الانتخابات، مثل تلك التي سبقتها، حلاً للأزمة”.
وهذه أول انتخابات تشريعية تشهدها الجزائر منذ اندلعت احتجاجات الحراك في 22 شباط/فبراير 2019.
ومنذ سنوات يقول المحلّلون إنّ الامتناع عن التصويت هو “أكبر حزب في الجزائر”.
لكنّ الرئيس عبد المجيد تبّون قلّل من أهمية نسبة الإقبال على التصويت. وقال بعد إدلائه بصوته السبت إنّه “بالنسبة لي، فإنّ نسبة المشاركة لا تهمّ. ما يهمّني أنّ من يصوّت عليهم الشعب لديهم الشرعيّة الكافية لأخذ زمام السلطة التشريعيّة”.
والسلطة عازمة بالفعل على تنفيذ “خارطة الطريق” التي وضعتها، وعلى تجاهل مطالب الحراك وهي: حُكم القانون والتحوّل الديمقراطي وسيادة الشعب واستقلال القضاء.
وكان الناخبون توجّهوا إلى صناديق الاقتراع لاختيار 407 نوّاب في مجلس الشعب الوطني (مجلس النواب) لولاية مدّتها 5 سنوات. وكان عليهم الاختيار بين 2288 قائمة تضمّ أكثر من 22 ألف مرشّح، منهم أكثر من 1200 مرشّح “مستقلّ”، في سابقة من نوعها.
وحصلت هذه القوائم على تشجيع علني من السلطات الساعية إلى تجديد شرعيتها. وبالتالي، يمكن للمجلس النيابي المقبل أن يشهد قيام تحالف بين الأحزاب التقليدية (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي) والمستقلّين والإسلاميين المعتدلين.
وقال أحد مستخدمي تويتر في تغريدة تعليقاً على النتائج إنّ “الأفلان التي لطالما كانت موضع تنديد في الشارع حلّت في المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية. وبفضل توأمها التجمّع الوطني الديمقراطي، فإنّ التحالف الرئاسي بقيادة بوتفليقة يحتفظ بالأغلبية في المجلس الجديد”.
وأضاف صاحب التغريدة ويدعى رحيم مستهزئاً أنّ “هذه هي جزائر ما بعد الحراك”.
من جهته توقّع اسماعيل الدبيش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر أن “يقوم تحالف حول برنامج الرئيس، ومن المرجّح أن يُعيد (تبون) تعيين رئيس الوزراء عبد العزيز جراد”.
ولعلّ المرأة الجزائرية هي الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات إذ إنّ المجلس المقبل لن يضمّ سوى 34 امرأة فقط (من أصل 8000 مرشّحة)، مقابل 146 نائبة في المجلس السابق، في تراجع هائل لحصّة المرأة بسبب إلغاء نظام الحصص (الكوتا النسائية) الذي كان معتمداً منذ 2012.