الاردن اليوم : يواجه النازحون في مخيمات إدلب شمال غربي سوريا أوضاعاً سيئة وتحديات كبيرة جراء النقص الحاد في المياه النظيفة والرعاية الطبية، ما يجعلهم عرضة للأمراض الجلدية وخاصة الأطفال، فيما تبدو المنظمات الإنسانية بمعظمها عاجزة عن تقديم العون والمساعدة. ومع تعدد أشكال معاناة النازحين في مخيمات الشمال السوري التي تفتقر للرعاية الصحية، ومقومات العيش الكريم، يدفع الأطفال الثمن الأكبر، الذين يجتمع عليهم الفقر والجوع والأمراض.
ويعتبر مرض الليشمانيا من الأمراض الأكثر انتشاراً، ويظهر كبقع حمراء كبيرة على الجلد، نتيجة لدغة حشرة تسمى “ذبابة الرمل”.
أم سامر (33 عاماً) نازحة من مدينة معرة النعمان إلى أحد مخيمات سرمدا الحدودية مع تركيا شمال إدلب، تشكو من إصابة أبنائها الثلاثة بمرض الليشمانيا، وعن ذلك تتحدث للشرق بقولها: “بدأت حبوب حمراء اللون بالظهور على وجوه أطفالي وأيديهم وأرجلهم، وتفاقمت أحوالهم بسبب الإهمال والفقر، وعند مراجعة المركز الصحي تبين إصابتهم بالليشمانيا، وحاجتهم لعلاج طويل بسبب استفحال المرض.”
وتؤكد أم سامر أن قلة المياه تحد من قدرة أطفالها على الاستحمام اليومي وغسيل الملابس، إلى جانب سكنهم في خيمة مهترئة لا تحميهم من البعوض والحشرات.
كما يسبب مرض الليشمانيا أزمات نفسية لدى المصابين به، بسبب ما يتركه من ندبات حتى بعد الشفاء.
الطفلة سماح الجمول (12 عاماً) نازحة مع أسرتها في مخيم كفردريان بريف إدلب الشمالي، تظل طوال الوقت في الخيمة منعزلة عن الآخرين، بسبب امتداد حبة الليشمانيا الموجودة في وجهها وشدة التقرحات التي أصيبت بها، وعن ذلك تتحدث والدتها بالقول: ” تعاني ابنتي من “حالة نفسية سيئة” تمنعها من الاحتكاك بالآخرين في المخيم، بسبب تعرضها للتنمر والسخرية من قبل أقرانها.”
وتشير الأم إلى أن إصابة ابنتها تتمدد وتزداد سوءاً مسببةً لها مشاكل جسدية أيضاً بسبب الألم والحكة الناتجين عن انتشار المرض على وجهها، رغم لجوئها إلى العلاج بالحقن الموضعي الذي لم يعط نتيجة سريعة وفعالة، وتسبب لها في الوقت نفسه بألم كبير كونه يحقن في وجهها حيث موضع الإصابة، الأمر الذي دفعها للبحث عن طرق علاج بديلة، كالطب العربي الذي تجد فيه وسيلة أكثر سهولة، وأقل تكلفة.
الطبيب المختص بالأمراض الجلدية وليد الأحمد (39 عاماً) من مدينة إدلب يتحدث للشرق عن المرض بقوله: “مرض “الليشمانيا” طفيلي المنشأ، ينتقل عن طريق لدغة من حشرة تسمى “ذبابة الرمل”، وهي حشرة صغيرة لا يتجاوز حجمها ثلث البعوضة العادية، ولونها أصفر، ويزداد نشاطها ليلًا، ولا تصدر صوتاً عند لدغ الانسان، وتنشط حول حفر الصرف الصحي والقمامة المنتشرة في بعض المخيمات أو بالقرب منها.” مؤكداً أن الحشرة تمتص الدم المحمل بالطفيليات ولاسيما من الكلاب والقطط، وتنقلها إلى الإنسان.”
ويبين الطبيب أن العلاج يتم عن طريق الحقن الموضعي لمكان الإصابة، مشيراً إلى وجود نقص شديد في كمية الدواء في إدلب، مما يفاقم معاناة المرضى، ويضطرهم لشرائه على نفقتهم الخاصة.
ويؤكد الطبيب على أن الجهود المبذولة للسيطرة على المرض محدودة جداً قياساً بالكثافة السكانية داخل المخيمات وتضاعف عدد الإصابات، مشيراً إلى أهمية نشر التوعية بين النازحين لتعريفهم بخطورة الأمراض الجلدية وكيفية الوقاية منها وضرورة الاهتمام بنظافة الأطفال، واستخدام المبيدات الحشرية، وافتتاح مراكز مختصة بالليشمانيا في المخيمات.
ومن بين الأمراض الأكثر انتشاراً بين النازحين مرض القوباء الجلدي، وهو مرض جرثومي شائع، يصيب الأطفال بشكل أساسي وخاصة الرضع الذين يعيشون في ظروف غير صحية، وهو شديد العدوى ينتقل بملامسة المصاب أو أشيائه الخاصة كالملابس والأغطية والمناشف وحتى ألعاب الأطفال.
الطفل معاذ المحمد يبلغ من العمر سنة واحدة أصيب بمرض القوباء، ولا يزال علاجه مستمراً، وعن ذلك تتحدث والدته للشرق: ” بدأت بقع حمراء تظهر حول أنف ولدي وفمه، ثم بدأت بالتمدد على كل من اليدين والقدمين، مصحوبة بحكة مزعجة.
وتؤكد أم معاذ أن المخيم يخلو من وجود نقطة طبية، مما دفعها للذهاب إلى مركز الرعاية الصحية الأولية الذي يبعد عنها حوالي 5 كيلو مترات، كما طلب الطبيب المعالج عزل طفلها عن أخوته تجنباً لنقل العدوى، وهو أمر غير متاح أيضاً بسبب عيش جميع أفراد أسرتها في خيمة واحدة.
من جهته محمد القاموعة (45 عاماً) مدير مخيم عشوائي في مدينة سرمدا شمال إدلب يقول لـ”الشرق”: “يوجد في المخيم حوالي 30 إصابة بالليشمانيا، و10 إصابات بمرض القوباء، ويعود انتشار الأمراض في المخيم إلى الاكتظاظ ونقص كمية المياه التي يحصل عليها الفرد، إضافة لوجود مكبات النفايات وحفر الصرف الصحي المكشوفة القريبة من المخيمات، ونقص مستلزمات النظافة الشخصية التي يحصل عليها النازحون، فضلاً عن بقائهم لفترات طويلة في العراء، وسكنهم بخيام لاتقي من الغبار والحشرات، إلى جانب نقص حاد في الخدمات الطبية والوقائية من الأمراض المعدية.
ويشير القاموعة إلى إطلاق عدة مناشدات لإصلاح قنوات الصرف الصحي ومكافحة الحشرات بالمبيدات اللازمة، للحد من انتشار الأمراض، دون أن يجدوا أي تجاوب.
وتجدر الإشارة إلى أن مناطق شمال غربي سوريا تحوي 1293 مخيماً، بينها 382 مخيماً عشوائياً، ويعيش في المخيمات مليون و43 ألفاً و689 نازحاً ومهجراً، بينهم 185 ألفاً و557 شخصاً في المخيمات العشوائية.
الشرق القطريه
Related