تصريحات غير موفقة لوزير الداخلية .. عملت على نشر الإحباط واليأس ولم تبعث الأمل والعزيمة في نفوس الشباب

 بقلم : المهندس سليم البطاينه

من المتعارف عليه أن أيّة رسالة إعلامية صادرة عن الحكومة أو عن أي شخص مسؤول يمثّل الدولة لا بد لتلك الرسالة أن تحمل في جنباتها وطيّاتها الأمل والعزيمة والصبر .. فالإرتجالية تُضيع البوصلة في كثير من الأحيان والتي غالباً تكون بغير قصد وبنيّة صافية.

فقد تعودنا في الآونة الأخيرة على تصريحات من مسؤولين تُزعجنا لكنها لا تُدهشُنا والسبب هو العامل النفسي وهو الشعور بالإنكسار.

فالذي دعاني لكتابة مقالي هذا هو لقاء وزير الداخلية العسكري المُنضبط مازن الفراية بعدد من شباب وشابات محافظة عجلون.

وبمنطق ولهجة إدارة الأزمات دعا الوزير الشباب إلى البحثِ عن فرص عمل وعدم انتظار الوظيفة التي ربما تأتي أو ستأتي مُتأخرة .. وهذه حقيقة لا يستطيع أحداً أن يُجادلَ بها .. فمنذ عشر سنوات أو أكثر ونسبة البطالة بإرتفاع مستمر وعناوين جميع الحكومات المتعاقبة هي حل مشكلة البطالة .. لكن في نهاية كل عام نرى العكس.

وهنا لا بد لي من سرد قصة يعود تاريخها إلى عام ٢٠٠٣ كنت وقتها نائباً لأمين عام سلطة المياه وكان معالي قفطان المجالي وزيراً للداخلية وبحكم العلاقة العائلية التي تربطنا دعاني أبا فراس للسفر إلى تونس لحضور حفل تخرج ابنته التي حصلت على درجة الماجستير من جامعة تونس .. وفعلاً لبّيت الدعوة و سافرنا إلى تونس.

وفي إحدى جولاتنا السياحية بمدينة الحمامات .. كان معنا أحد المرجعيات العُليا التونسيّة فبادرت وسألته سؤالاً حول مشاهد لم نعتد عليها في ذلك الوقت في الأردن وهي انتشار المقاهي بطريقة ملفتة للنظر .. فكان جوابه بالنسبة لي كالصاعقة بأن هؤلاء الجالسين على المقاهي غالبيتهم عاطلين عن العمل وهم القنبلة الموقوتة القادمة التي لا نعرف متى ستنفجر ؟

وقبل سنتين تقريباً حاول رئيس الوزراء السابق الرزاز ثني شاب أردني اسمه قتيبة عن الهجرة وترك البلد بتذكرة ذهاب دون إياب .. وقال له لا تهاجر يا قُتيبة .. وقتها كتبت مقالاً رداً على الدكتور الرزاز عنوانه ( أُمزُط يا قُتيبة ) فنحن في مأزق وبتنا لا نُجيد الركض والأمور اختلطت علينا ولم نعُد نفرّق بين الوهم والحقيقة.

فشبابنا يا معالي الوزير يبحثون عن العمل لكنهم لا يجدونه وهم يعيشون في عالم متغير ولا أحد يقرأ همومهم .. وقاموسهم به الكثير من المفردات المزعجة كالإحباط واليأس والتشاؤم والطريق المسدود .. فأينما تولّي وجهك تجدُ مآسيهم بين الطموح والجروح رغم عقولهم الممتلئة حيوية ونشاط وأصرار .. فمغادرة الشباب لوطنهم ليست مجرد حلم بل أصبحت طموحاً للبحث عن الإستقرار.

فدول العالم كافة تهتم بالمشاريع الصغيرة لما لها من جوانب كبرى في مسار التنمية الإقتصادية وخلق فرص عمل إلا في الأردن يتم محاربتها من أمانة عمان والبلديات ومن البنوك حيث تقوض قدرة الشاب الأردني على الإستدانة لإقامة مشروعه الصغير لإرتفاع فوائد البنوك وشروطها القاسية للسداد.

وربما صار مُلحاً الإعتراف أننا نواجه أزمات مؤسساتية مُركبة ومتعددة الأبعاد ذات خطورة استثنائية.

فإدارة المخاطر كما تعرف يا سيدي الوزير هي أقل كلفة من إدارة الأزمات .. والأزمات التي نحن بها الآن غالباً ما تكون خارج التوقعات .. فالصورة توحي باليأس فلا شي يسُر ولا خطوات تُطمئن .. فالفشل يا سيدي في سياسات التنمية أدّى إلى مزيد من الأفقار وتفشي البطالة .. فالسياسات الإقتصادية عمّقت الجراح والدولة ما زالت حتى اللحظة عاجزة عن بلورة برامج تنموية تخلقُ فرصاً للعمل .. فمعظم الحكومات لم تكن لديها القدرة على تطوير وسائل الإنتاج.

فالأردنيين يُريدون الخروج من ذهنيات الرعية إلى ذهنيات الرعاية .. فعندما تتحقق العدالة الإجتماعية تنهض الدولة ويُحصّن المجتمع من الإنفجار ومن الهزات المُفاجئة .. فعندما يُدرك شبابنا العاطلين عن العمل والفقراء أن السياسات في الأردن تدار لحساب نخبة وليس لحساب شعب حينها يصبح الفرد غير قادر على التضحية من أجل بلاده .. فالأردن باتت حالياً طاردة لأبنائها بحكم ضيق العيش و غياب العدالة الإجتماعية فما يجري بين الفينة و الأخرى من فورات غضب ما هو إلا رسائل يأس .. فَكُرةُ الثلج سيزداد حجمها مع مرور الوقت وسُتحطم كل شيء يعترض طريقها إذا استمرت بالتدحرج.

فأحلام الشباب تتدحرج من غرفة إلى أخرى وتُركل أحياناً والجميع يسأل إلى أين نحن ذاهبون وفي أي أتجاه ؟

فالذي يجري هذه الأيام يدخل في خانة الرسوم المتحركة ولا يوجد تسويغ واحد مُقنع لما نسمعه ونشاهده من تعينات لأبناء الذوات وخلق وظائف عليا و توزيع جوائز ترضية لنُخب تم استهلاكها.