بقلم : المهندس سليم البطاينه :
لا زال الأردن يعيش في منطقة مزدحمة بالأزمات ويعاني من مخاضات عسيرة .. ومنذُ سنوات وهو يحاول أن يعيد تشكيل حساباته ويقرأ مشهد التحالفات من حوله .. ويبحث عن حلفاء جدد له يساعدونه في الخروج من مأزق اقتصادي طال أمده.
فقد أتّسم عام ٢٠١٩ بتناقض مصالح الأردن مع حلفائه القُدامى بعد عمليات التطبيع مع إسرائيل .. حيث تمت مزاحمة الأردن في قضايا كثيرة.
وعلى أثرها تراجعت المعونات المالية والإقتصادية و أصبحت مرحلة التسوّل محرجةٌ و مخجلة وروح الإستعلاء و التعامل مع الأردن من منطلق الشفقة أصبح لا يطاق.
فالغموض و عدم الثقة باتا واضحان عبر سياسة لَيّ الذراع ..
فالتباينات السياسية بين دول المنطقة عميقة جداً لكن في المقابل هناك خطوط التقاء وتقاطع في بعض الأزمات.
فبغض النظر عن صحة استنتاجاتي هذه من خطئها .. فالحلفاء القدامى للأردن لم يستطيعوا مساعدته على تجاوز واقعه الصعب .. فعلى العكس فقد عانى الأردن من عُزلة سياسية دون حلفاء للإستنادة عليهم لرفع شأنه اقتصادياً وسياسياً.
وبات معروفاً لدى صانع القرار الأردني أن أيّة خطة لإنقاذ الإقتصاد لن تتحقق بمعزل عن دول الجوار رغم الأجواء السياسية الغامضة بالمنطقة .. فالإقتصاد الأردني وبفضل الفساد و بيع أصول و ممتلكات الدولة والسياسات الفاشلة للحكومات تم ضرب جميع أركانه وتعرّض للشلل التام .. ففي السنوات الخمس السابقة كانت الرؤية الأردنية ضبابية وحالكة من حيث اقتصاد يزداد سوءاً وإصلاح سياسي غير موجود ومتنازع عليه .. فقد تغير على البلاد أربعة حكومات.
فقبل أسابيع نشرت صحيفة The Hill الأمريكية أن رئيس جهاز الإستخبارات الأمريكية William Burns زار عدة دول في المنطقة وقدم دعماً غير منظور لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي و لمشروع الشام الجديد وللمشاريع الإقتصادية بين العراق ومصر والأردن حيث أبلغ الجميع أن تلك المشاريع ستكون بغطاء أمني أمريكي.
والمهم في زيارته كان حديثه المباشر لقادة الدول التي زارها عن حقوق الإنسان والديموقراطية و المعتقلين السياسيين و قوانين الإنتخابات الغير ملائمة واندماج الهويات الأخرى والتنويع السياسي والإنتخابات الحرة النزيهة الغير مزورة ومنح الحقوق السياسية كاملة لأيّة المكونات داخل المجتمع.
وهذا ما يقودنا في الأردن على أن اللجنة الملكية التي تم تشكيلها قبل فترة للإصلاح السياسي ستكون من أخطر و أجرأ اللّجان التي شُكّلت في عصر الأردن الحديث من حيث مخرجاتها مثيرة للجدل.
والشيء الآخر الذي طرحه بيرنز هو الربط الأمني بين مصر والعراق والأردن وبدعم سياسي ومالي من الولايات المتحدة الأمريكية .. وقدم وعداً بأن يقوم الأردن بفتح الأضرحة الشيعية في جنوب الأردن أمام الزوار الشيعة العراقيين.
فوجهة النظر الغربية ترى أن التكتّل الجديد بين مصر والعراق والأردن يتناغم ويخدم الرغبات الأمريكية بالمنطقة في إظهار اصطفاف جديد .. فمن المتوقع لهذا الإصطفاف أن يقود المنطقة نحو مواقف أكثر اتساقاً مع الأهداف الأمريكية آخذين في عين الإعتبار مراعاة ومتطلّبات أمن إسرائيل .. فالكثير من النُخب البرلمانية داخل الكونجرس الأمريكي تنظر إلى هذا التكتّل على أنه نواة لمشروع إقليمي يزاوج بين الثروة النفطية في العراق والكتلة البشرية في مصر عبر الجسر الأردني .. وأن مشروع الشام الجديد لن يقتصر على التعاون الإقتصادي بل سيتعدّاه في مجالات أخرى أمنية وعسكرية ولوجستية وهنالك دول أخرى في المنطقة مرشحة للإنضمام إليه.
فعملياً لا نستطيع اختزال التكتّل الجديد للدول الثلاث في أنبوب نفط أو غاز أو أية مشاريع اقتصادية عملاقة مهما بلغ حجمُها .. فالمشروع إذا قُدّر له النجاح سيحمل في داخله خريطة جيوسياسية جديدة لمنطقة الشام بأسرها ومعها مصر.
وعلى نظرية الإقتصاد يطغى على السياسة وأن من يقود الإقتصاد يوجه السياسة نشر مركز Chatham House الإنجليزي والمتفرع من المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن بحثاً تناول فيه التكتّل الجديد في المنطقة وحالة الإستقطاب الحادة التي لم يسبق أن عرفتها المنطقة سابقاً .. وبيّن في تقريره أن مجموع سكان مصر والعراق والأردن يبلغ ١٥٠ مليون نسمة حيث يمكن لرأس المال البشري الموجود في مصر وعبر الجسر الأردني في المساهمة بدعم جهود إعمار العراق .. وأشار في نهاية تقريره أن مشروع الشام الجديد سيخدم أغراضاً سياسية ذات طابع استراتيجي .. وأن انعقاد القمة في بغداد بين دولتين ترتبطان بإتفاقيتي سلام مع إسرائيل يعني أن العراق سيكون مرشحاً في مرحلة قادمة للإنضمام إلى تلك الإتفاقيات.
فالأردن يسعى من خلال انضمامه إلى مشروع الشام الجديد إلى إنشاء مشاريع كبرى كمصفاة للبترول في العقبة ومد أنبوب النفط المتفق عليه منذ سنوات من العراق و حتى العقبة ومنه إلى مصر ومد سكك حديدية بين العقبة والحدود العراقية عبر العاصمة عمان ومناطق لوجستية أخرى كالموانئ البرية تم تحديدها سابقاً.
فالسوق العراقية جاذبة كونها سوقاً كبيرة وقوة شرائية لا يستهان بها وتعتمد على البضائع المستوردة .. والمصلحة الأردنية في دخول هذا السوق لها أهمية في تحفيز ونمو الإقتصاد الأردني المتهاوي والمنهار .. رُغم وجود العوائق السياسية التي قد تُعيق دخول الأردن أو مصر إلى السوق العراقية بسبب إيران وتركيا بما لهما من أثر مباشر على القرار العراقي.
الأمر الذي يقودنا إلى أسئلة مهمة وهي هل الإتفاقيات التي ستعقدها العراق مع مصر والأردن لها غطاء سياسي ؟ وهل يعني أن اتفاقيات فِيينّا الأخيرة بين أمريكا و إيران حملت موافقة ضمنية بعدم معارضة مشروع الشام الجديد ؟ وكيف ستنظر السعودية والإمارات لهذا المشروع ؟ وهل ستقبل إيران بإنخراط العراق بهكذا مشروع بعيد عنها ؟
فالمشروع الجديد بالمنطقة جيد لدرجة أننا لا نستطيع التكهن بمدى نجاحه و استمراره .. فسياسات المحاور سابقاً أثبتت فشلها لإعتمادها على العواطف والأمنيات .. فمعظم التجارب العربية سابقاً فشلت.
فلا يمكن لنا فهم الأحداث أو التعامل معها داخل الإقليم إلا من خلال استيعاب طبيعة الصراعات الخفية .. فعلاقات الأردن الدولية والإقليمية تُشكل أحدى روافع التأثير الجيواستراتيجي في محيطه.
وإذا كنا نرغب في تجاوز أزماتِنا الإقتصادية في الأردن فلا بد من إقرار خطة إنقاذ اقتصادية متكاملة وشاملة وعاجلة .. ففاتورة إقرار الخطة أرخص بكثير من وصول البلاد الى حالة انكماش اقتصادي خطير .. فالتّأخر في ذلك سيزيد ويعمّق الأزمة .. فالتضحيات التي ستقدمها الدولة والحكومة ستؤتي ثمارها في قادم الأيام اقتصادياً وسياسيا وأمنياً.