الاردن اليوم
كتب د . موسى شتيوي
كل الدول والمجتمعات لديها آليات متعددة لإنتاج النخبة سواء السياسية منها أو الاقتصادية. في نفس السياق النخبة أيضا وتجديدها مرتبط بالتغيرات والتحولات التي تمر بها البلاد عادة. بالطبع هناك تفاوت كبير بقدرة الدول على إعادة إنتاج النخبة لديها ولكن وجود آليات واضحة لإنتاج النخبة مهم جدا لأنه كلما كانت الآلية واضحة كانت عملية إعادة انتاج وتجديد النخبة أكثر سلاسة وتلقائية ويعيد الحيوية للنظام السياسي.
تجديد النخبة في الدول النامية أكثر صعوبة وذلك لحداثة هذه الدول والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمر بها. الأردن ليس استثناءً، فيمكن القول إننا اليوم نعاني من أزمة نخب متعددة الأبعاد من حيث إنتاجها وإعادة انتاجها وتدويرها والاكثر أهمية التراجع في ادائها. الأزمة لا تقتصر على النخب التي تأتي من خلال التعيين لا بل إنها امتدت ايضا الى النخب التي تأتي من خلال صناديق الاقتراع. التراجع في مستوى ونوعية النخبة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى أكاديمية.
تاريخيًا، كانت هناك عدة آليات ناجعة لإنتاج النخب في الأردن حيث كانت الدولة تنتج نخبها من خلال مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية من خلال التدرج البيروقراطي والعمل العام.
الأحزاب السياسية كذلك كانت تساهم بإنتاج النخب من خلال استقطابها والتدريب وخاصة عندما كانت الأحزاب السياسية تتبع أيديولوجيات معينة من خلال مشاركتهم بالبرلمان أو من خلال استقطاب الدولة لهم في المناصب العامة.
مؤسسات المجتمع الأخرى كالجامعات كانت ترفد الدولة بنخب اقتصادية وإدارية ولا نستثني العشائر التي كانت ترفد المجتمع بكفاءات مميزة أيضا.
لكن لعوامل عدة من أهمها التغير الديموغرافي وضعف الأحزاب السياسية وتراجع الإدارة العامة كلها ساهمت بتراجع القدرة على إنتاج وإعداد النخبة، لقد انعكس ذلك سلبًا على نوعية القيادات في المجالات المختلفة وبدأنا نلاحظ أناسا في مواقع النخبة السياسية كالحكومة والبرلمان دون خبرة سياسية أو حتى في العمل العام والإدارة العامة. ساهمت هذه الظاهرة بضعف القدرة أو المساهمة في تجديد المجتمع والتصدي للتحديات التي يواجهها، وكذلك تراجع القدرة على الاستجابة للمشكلات التي واجهها أو يواجهها الأردن والذي كان له عواقب ونتائج سلبية في مجالات عدة. لا أعمم هنا ولكن هذا هو المشهد العام مع وجود تباين واختلاف من مجال لآخر.
الآلية المعتمدة في الدول الديمقراطية لإنتاج النخبة وتجديدها هي من خلال الأحزاب والانتخابات الدورية التي تفضي إلى المشاركة في الإدارة التنفيذية. أردنيا لقد تم الفصل بين المجالس المنتخبة والجهات التنفيذية من جانب ومن جانب آخر ولضعف أداء الأحزاب في الانتخابات البرلمانية لم تعد الانتخابات مكان للدفع بنخب سياسية مدربة وذات خبرة في الحياة العامة بقدر ما تبعث بأصحاب المصالح الشخصية.
لذا فإن المسيرة الإصلاحية التي أطلقها الملك مؤخرًا والتي تركز على النهوض بالمشاركة الحزبية والبرلمانية تعتبر خطوة مهمة في تطوير آلية إنتاج النخب بالأردن من خلال الأطر المؤسسية السياسية الخاصة بهذا المجال. إن الإصلاح السياسي الذي يهدف لتطوير الحياة الحزبية والدور الذي تأخذه الأحزاب في البرلمان والكتل النيابية سوف يؤدي إلى انخراط الفئات الطامحة للمشاركة السياسية والعمل السياسي بهذه الاحزاب ويؤدي لرفدها بطاقات جديدة تعمل على تجديد نفسها ورفع الكفاءة السياسية لمنتسبيها.
بالإضافة لذلك، فإن التحول في العمل النيابي إلى عمل جماعي منظم وكتلوي سوف يعزز قدره المجلس النيابي وخاصة في المجالات السياسية ويدعم حكمًا رفد المجتمع الأردني بنخب سياسية جديدة وخاصة من فئات الشباب والنساء الذين لم يأخذوا فرصتهم بالحياة العامة.
تحديث المنظومة السياسية فرصة لتطوير الآليات لتجديد النخبة السياسية والفرصة سوف تكون متاحة للدفع باتجاه نخب جديدة مع تعمق مسيرة الإصلاح السياسي.
(الغد)