فَقط وحَصرياً في الأردن (الدوريّات الإلكترونية ) .. مصطلحٌ لم تَسبِقنا إليه دولة في العالم.
بقلم : المهندس سليم البطاينه:
لا يَنفَك الحديث عن حريّة التعبير في الأردن فعَلى ما يبدو أن المناخ العام هذه الأيام بات أقل تسامحاً في التعبير عن الرأي والواقع الذي يعيشه الأردنيين يتطلّب منهم أن يعيشوا وكأنّهم لا يسمعوا ولا يَروا وأن يتوقّفوا عن الكلام .. فالحديث عن حريّة الرأي يُحدِث جدلاً مستمراً في الشارع خصوصاً مع كل أزمة تَمُرُّ بها البلاد.
فأزمات الأردن ليست أزمة واحدة في الزمان والمكان .. بل إنها سلسلة أزمات حاضرة في كل المجالات وتَتَوالد في اللّيل والنّهار خارج كل الإحتمالات والإفتراضات .. فقد صارت من أهم أدوات الفعل السياسي.
فلم يحدث أو سبق في تاريخ الأردن السياسي حالة من الغَضب والإعتراض على واقع التدهور الحالي بالبلاد كما هو حاصل حالياً .. فلا وجود لحريّة دون فضاء رحب للخِطاب السياسي والنّقد البنّاء.
والأردن وللأسف باتَ أمام مُفترق طرق كبير .. أما الإستمرار في تشديد الخِناق على الحرّيات لتَقويض الخصوصية وإسكات مُنتقدي الحكومات لتبرير الإخفاقات التي حصلت في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية .. فالتشديد على تَكميم الأفواه قادر على إِلْزام الناس الصّمت كخوف مؤقّت .. علماً أن الصمت لا يعني الرضا والقبول .. ولا يمكن للإصلاح أن يتحقق دون كسر حاجز الصّمت .. فليس كل ما هو مفروض مرغوب أو صحيح .. فالشعب مُحبط والسياسات هشّة والوضع الإقتصادي متدنٍ والبطالة مرعبة.
والحكومة يجب أن تعرف بأن العالم من حولنا تجاوز أساسيات الحياة إلى الإبداع والإبتكار .. ففي ظل الحكومات المستبدة تَكثر السجون ويكثر الظلم والفساد ، ويصبح دور الحكومة الأساسي ليس محاسبة اللّصوص بل ملاحقة الذين يطالبون بمحاسبة اللّصوص .. وعند وجود الحريّة يجوع اللّصوص أما في ظِل الإستبداد يَجوع الشعب.
فكلّما ارتفعت أصوات عاقلة تدعو الدولة لمراجعة موقفها من قانون الجرائم الإلكترونية قابلها أصوات أكثر حدّة وأعظم تأثيراً تنجح في إقناع صانِعي القرار بأن التّراجع عن ذلك سيعرّض البلد للفوضى ويعرقل التنمية الإقتصادية .. وهناك وللأسف من يقول بأن التحدّيات التي يواجهها الأردن لا تسمح بِتَرف الإختلاف في الرأي والتشكيك في أداء الحكومة والمؤسسات.
فإستمرار العمل بهكذا قانون واختراع مصطلح الدوريات الإلكترونية يعني أن الحكومة ماضية في ذات المسار الذي يأخذنا نحو انتهاج المزيد من الإحتقان في الشارع .. والدفع بالمجتمع إلى وسائل أكثر حدّة للتعبير عن يأسِهم لأيصال صوتهم.
علماً أن قانون الجرائم الإلكترونية والذي صيغ بطريقة مطاطية يتناقض مع المواثيق الدولية ويَفقد مصداقيّته وشرعيّته حينما يقضي تطبيقه إلى نتائج تخالف المنطق والفطرة والعدالة .. ومن المستحيل تحقيق الحد الأدنى من الإستقرار السياسي والنمو الإقتصادي بالحجر على الرأي العام .. فهناك أصوات مزعجة من داخل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تقول أن بناء الإقتصاد والإصلاح السياسي لن يتحقق إلا إذا سكتَت أصوات المعارضة وكل الأصوات وإلتَزَم الجميع الصّمت.
وهنا تذكّرني تلك الأصوات بكتاب الصحفي والروائي الإنجليزي George Orwell مزرعة الحيوانات Animal Farm والتي قال في أحد فصولها أن الدول المستبدّة لا تريد لشعوبها أن تقول لا عندما يجب أن تقول لا .. ونعم عندما يجب أن تقول نعم كالقطيع يسمع وينفّذ .. وقادة القطيع هم يحدّدون مفهوم الخير والشر والسعادة والشّقاء .. أي بمعنى قطيع يسمع وينفذ ما يقولونه.
فخَنقُ الإعلام الحر ومحاربة الأصوات الناقِدة سيقضي على أي فرصة لبناء حوار مفتوح وعلني .. فالوضع العام بات اليوم في الأردن يكاد يَختزل في الإنحسار الكبير لهامش الحرّيات.
وإلى متى سنبقى هكذا ؟ ألَم يحن الوقت لننهض و ننتَصر لمفاهيم الحرية لكي لا يتم تجريدنا من مكوناتِنا البشرية وإلحاقِنا بمزرعة حيوانات George Orwell لكي لا نصبح ببغاوات نردد ما نسمع ؟ فلن نكون قطيعاً لا نرى ولا نقرأ ولا نسمع فالحكومات لا تريدنا بشخصية ناضجة فاعلة وباحثة ذات حلول وبدائل.
فالتصدي لِعَبَث البعض من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وبَث خطاب الكراهية وأيّة أفعال أخرى مُشينَة لا نقبلها و لا يقبلها عقل لا يعني تقييد حرية التعبير أو حَظرها.
Related