بالصور.. أطفال الأسيرة نسرين أبو كميل يتلهفون ليوم حريتها

الاردن اليوم :

لا ينفك الطفل أحمد أبو كميل -7 سنوات- ينظر إلى صورة والدته نسرين الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ثم يُقبّلها، لقد بات ذلك الفعل أكثر ما يحلو له، فهو على أحر من الجمر للقائها بعد حوالي 70 يومًا، وهي التي فارقته “6” سنوات قضتها المحكمة الصهيونية بحقها.
واعتقلت السلطات الإسرائيلية، أبو كميل، في 18 أكتوبر عام 2015، حال مغادرتها قطاع غزة عبر معبر إيرز/ بيت حانون شمالي القطاع، وحكمت عليها في 20 أكتوبر 2018، بالسجن لمدة 6 سنوات، مع احتساب مدة التوقيف.

*تهمة باطلة

“نسرين” التي تعود بأصولها إلى مدينة حيفا داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة “إسرائيل”، ومتزوجة من غزيّ وتقيم معه في قطاع غزة منذ زواجها، اتُّهِمت اتهامًا باطلًا – وفق عائلتها- من قبل محكمة الاحتلال بأنها عمدت إلى تصوير ميناء حيفا أثناء زيارتها لأهلها في حيفا عام 2014، بهدف التجسس لصالح المقاومة الفلسطينية.

اعتُقلِت نسرين وتركت خلفها “6” أطفال أكبرهم فراس بعمر “12” ثم أميرة “11 عامًا” أما أصغرهم فأحمد وكان في حينها رضيعًا بعمر الشهور السبعة.

وحول هذا تروي أميرة التي كبرت وأصبحت اليوم بعمر “17” لـ”الشرق”: “وجدت نفسي بين يومٍ وليلة أما ولستُ طفلة، بدلًا من أن أركض مع إخوتي وجيراني في الحارة، وألعب الغميضة والشاردة والحجلة التي أعشقها، أقوم بإرضاع أخي الحليب الصناعي الذي لم يعتد عليه أبدًا، وأبدل له ملامسه وأحممه وأغير به حفاظته”.

وتضيف: “كم كان الأمر صعبًا وقاسيًا عليّ، كنت أستيقظ فجرًا وأرتب أمور البيت وأرعى أخي الصغير، ثم أذهب للمدرسة وحين أعود أكمل أعمال البيت وأسرتي”.

*الطفلة الأم

ذات مرة كانت الغيوم فيها تملأ السماء وتنذر بالمطر، وتذكرت أميرة وهي داخل صفها المدرسي أنها لم تلملم الغسيل عن الأحبال، فأخذت إذنًا على الفور من المُعلّمة وذهبت للمديرة كي تطلب اتصالًا هاتفيًا بأبيها تطلب منه أن يلمّ الملابس قبل أن تهطل السماء مطرًا وتتبلل من جديد. تعلق: “كنت مضطرةً للعيش كأم مسؤولة وكان الجميع من حولي متعاونين معي ويقدرون ظرفي ويحاولون تسهيل أموري”.


وتكمل: “في شهر رمضان كنت أشعر بقمة المرارة، ليس وحدي فقط فقد شعرنا جميعا بعظيم فقدان الأم على مائدة السحور والإفطار، لكن أخي فراس الذي يكبرني بعام والذي كان الذراع اليمنى لأمي في كل خطواتها عانى فراقها بشدة ولم يترك يومًا إلا وكان يبكي فيه، وهذا ضاعف ألمي وتعبي”.
وتستذكر أميرة كيف كانت تمر المناسبات كالأعياد والأفراح دون وجودها وتصف كم كانت أليمة، خاصة حين تذهب وحيدة لشراء ملابس العيد وأي مناسبة أخرى.

وتروي: “قبل قدوم رمضان بيوم واحدٍ كانت تحضر هدية بسيطة لكل أطفال العمارة، وتحضر الألعاب النارية وتصفّها على جدار العمارة أعلى السطح ثم تشعلها وكل أطفال العمارة مجتمعون فتمتلئ الفرحة في قلوبنا ونشعر بجمال استقبال رمضان، وحين اعتقلها الاحتلال انطفأت كل فرحتنا”.

*هدايا من الأَسْر

وقبل عدة أشهر أفرج الاحتلال عن إحدى الأسيرات من قطاع غزة بعد انتهاء فترة حكمها في سجونه وكانت تقبع في نفس السجن الذي تقبع فيه نسرين، التي جهزت لأطفالها جميعًا مجموعة من الدفاتر التذكارية صنعت لها غلافًا من أقمشة الملابس القديمة التي انتهى استخدامها حيث لا يُسمح بدخول أي مادة لصنع أي هدية وألصقتها بشكل جميل على الدفتر، وكتبت في كل دفتر رسالة ورسمت طائرًا يرفرف بجناحيه كرمز للحرية، ثم أرسلتها لأطفالها عبر تلك الأسيرة المحررة.

تصف أميرة: “حين رأينا الدفاتر بكينا وبكينا وصرنا نحاول اشتمام رائحة أمي من بين أوراقها ونقرأ كلماتها وحروفها بنهم وبكاء، وحتى اليوم لا يأتي الليل إلا ونقرأ رسائلها”. وبفخر تُعبر: “والدتي حفظت القرآن الكريم في السجن، وعلّمت الأسيرات اللغة العبرية فهي تتقنها جيدًا، ودرست العلوم السياسية رغم معاناتها من الضغط والسكر”.

وتؤكد: “رغم ظلم الاحتلال وقسوته وعذاب سنوات البعد والفراق إلا أن الاحتلال لم يحصل على مراده بكسرِنا وتدمير أسرتنا فأمي تميزت وافتخرنا بها وسنفتخر للأبد، ونحن عشنا حياة كريمةً واستطعنا تدبير أمورنا رغم أننا جميعا كنا أطفالًا صغارًا وبأمس الحاجة لها، تعلمنا واجتهدنا وها نحن بانتظارها، والاحتلال لم يفلح في تحقيق شيء يفخر به”.

*طي الرزنامة

لقد اقترب الألم على الانتهاء، والشوق يكبر ويزداد، حيث جهز الأطفال رزنامة الحرية “جدولًا زمنيًا”، تعلوها صورة والدتهم الأسيرة، وعلقوها على جدار الغرفة وقد اشتملت على أرقام مرتبة تنازليًا من المائة إلى الواحد، فيما يتهافتون كل صباح على شطب رقم جديد منتظرين الوصول للرقم الأخير ليكون هو اليوم الأخير لطي صفحة الاعتقال بشطب والدتهم لرقم “1” بنفسها.

 

فيما نادين ذات التسع سنوات تنام كل ليلة دون أن تغيب صورة والدتها عنها، فتقول لـ”الشرق”: “أراها في أحلامي كل يوم تحتضنني وأنا وإخوتي نرتدي الثوب الفلاحي الفلسطيني”.

وتعبر: “لا أذكر كثيرًا من التفاصيل مع والدتي فلم أكن قد بلغت الثالثة حين تم اعتقالها، كل ما أذكره كيف أنني كنت أركض خلفها وأبكي فيما أمسك بيدي حذائي”.

وتعتقل إسرائيل في سجونها نحو 4850 أسيراً، بينهم 41 سيدة، و225 طفلاً، و540 معتقلاً إدارياً (بدون محاكمة)، وفق أحدث إحصائيات لمؤسسات تختص بشؤون الأسرى.

 

 

نقلا عن موقع الشرق