لـ “الكذب المزمن” أضرار صحية خطيرة.. إليك تأثيره على الجسم وكيفية تغييره لكيمياء الدماغ
الأردن اليوم :
الحقيقة المؤسفة هي: الإنسان يكذب طوال الوقت. وسواء كان ذلك “كذبة بيضاء” لاعتقاد صاحبها أنه بذلك يتجنّب المشكلات، أو كانت الكذبة مُتعمدة لتحريف وتغيير حقيقة معينة، يمارس الإنسان الكذب على مدار يومه، وفي مختلف المناسبات. لكنه يغفل أضرار الكذب التي قد تهدد سلامته لاحقاً.
وفي دراسة أجريت عام 2002 من قبل عالم النفس روبرت فيلدمان في جامعة ماساتشوستس الأمريكية، اتضح أن 60% من المشاركين كذبوا مرة واحدة على الأقل خلال محادثة استمرت 10 دقائق فقط، وقالوا ما معدله اثنان إلى ثلاثة أكاذيب خلال هذه الفترة القصيرة من الحديث.
وبالرغم من تجريم وحظر هذا السلوك في معظم الديانات والمعتقدات حول العالم، يتبادل معظم الناس العديد من الأكاذيب التافهة، والتي يقال عنها ببساطة إنها لحفظ السلام أو جعل شخص ما يشعر بالرضا.
لكن المزيد من الأكاذيب الشريرة، مثل اتهام كاذب لشخص ما بارتكاب جريمة، أو الكذب على شريك الحياة، أو الكذب على المستثمرين أو الزبائن، يمكن أن تكون له عواقب وخيمة.
إذ يجعل هذا السلوك الدماغ في حالة تأهب شديدة، ويزداد هذا الضغط مع ضخامة الكذب وتكراره. في هذا التقرير نستعرض أضرار الكذب على الصحة والجسم.
تأثير الكذب على الدماغ
ومع العلم أن الكذب يعد مخاطرة بإلحاق ضرر لا رجعة فيه بسمعة المرء، فإن الكذب نشاط مرهق بطبيعته، وعندما ننخرط فيه، تزداد معدلات تنفسنا ونبضاتنا، ونبدأ في التعرق، ويجف فمنا، ويمكن أن يرتجف صوتنا وأن تخور قوانا عند الوقوف.
وتشكل بعض هذه التأثيرات الفسيولوجية أساس اختبار كاشف الكذب الكلاسيكي المُستخدم في التجارب والتحقيقات، أو ما يُعرف بجهاز كشف الكذب.
قدرات البشر مختلفة في الكذب
يختلف الناس في قدرتهم على قول الكذبة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الاختلافات في الدماغ. على سبيل المثال، يفتقر المعتلون اجتماعياً إلى التعاطف بشكل كامل، وبالتالي لا يظهرون استجابة فسيولوجية نموذجية عند الكذب.
ويمكن للكذابين أيضاً اجتياز جهاز كشف الكذب إذا تم تدريبهم على التزام الهدوء أثناء الاختبار. وبالمثل، قد يفشل الأبرياء في الاختبار لمجرد قلقهم من أن يتم ربطهم بأجهزة كشف الكذب.
ولهذه الأسباب، فإن دقة اختبار جهاز كشف الكذب محل خلاف شديد إلى يومنا هذا، وفقاً لـPsychology Today.
وفي المقابل، أثبتت دراسات التصوير الدماغي أنها أكثر دقة في التعرف على استجابة الجسم للكذب. وتظهر أعراض القلق عليها لأن الكذب ينشِّط الجهاز الحوفي في الدماغ، وهي نفس المنطقة المسؤولة عن استجابة “القتال أو الهروب” التي يتم تشغيلها تلقائياً عند التعرض للضغوط أو المخاوف.
وعندما يكون الناس صادقين، فإن هذه المنطقة من الدماغ تظهر نشاطاً ضئيلاً. ولكن عند قول كذبة، تضيء مثل الألعاب النارية. وبالتالي فإن العقل الصادق مسترخٍ بطبيعته، في حين أن الدماغ غير الأمين أو الصادق يكون محموماً ومتأججاً على الدوام. ومن هنا تأتي أضرار الكذب.
الضغط الشديد يرفع مستوى التوتر في الجسم
من أضرار الكذب الأبرز هو تأثيره الشديد على الدماغ، والذي من الممكن أن يسبب تداعيات غير حميدة عند تكرار عملية الكذب.
وبعد بضع دقائق فقط، تبدأ الذاكرة في تذكُّر الكذب والحقيقة. ويصبح اتخاذ القرار أكثر صعوبة، وقد يظهر انزعاجك في هيئة غضب وتحفُّز.
وبعد ردود الفعل الأولية تلك، قد يبدأ الشخص في الشعور بالقلق بشأن كذبته- أو من انكشاف الحقيقة أو مستوى حبكة الرواية وما كان من الممكن قوله لتعزيز مصداقيتها أكثر.
وللتعامل مع هذا الشعور، قد يحاول الشخص تعويض الكذب بمعاملة الشخص الآخر بلطف أكثر من المعتاد. كما يمكن أن يحدث العكس أيضاً، وتبدأ ردة الفعل في التحوُّل إلى غضب وهجوم، بل وحتى إلقاء مسؤولية الكذبة والاضطرار لها على الطرف الآخر.
وتعتبر أضرار الكذب السلوكية تلك من أكبر مسببات المشاكل في العلاقات، بسبب عدم القدرة على شرحها أو تبريرها بشكل صادق من دون الكشف عن الحقيقة التي تم إخفاؤها.
قلة جودة النوم وأمراض القلب وآلام الجسم
وبعد مرور الكذبة مرور الكرام بين الطرفين، قد يحدث أحد أمرين: إذا كنت معتادًا على الكذب المرضي، فقد تبدأ في تصديق الكذبة فعلاً والتعامل معها على أنها أمر مسلّم.
أما إذا لم تكن معتاداً أو مصاباً بالكذب المرضي، فقد تظل تشعر بالسوء وتحاول تجنُّب رؤية الشخص الذي كذبت عليه. وقد يؤدي الاستمرار في الشعور بالذنب تجاه كذبتك إلى أنماط نوم متقطعة على مدار أيام قليلة.
كل هذا الضغط الإضافي له عواقب سلبية على الصحة العامة، ما يجعل أضرار الكذب على الصحة تأخذ منحى أكثر خطورة وجدية؛ إذ يمكن أن يؤدي إلى زيادة ضغط الدم، ويسبب الصداع وآلام أسفل الظهر والعنق والكتفين، ويقلل من عدد خلايا الدم البيضاء التي يحتاجها الجسم لمحاربة المرض.
وبما أن جزءاً ضخماً من الطاقة الذهنية يتم استهلاكه في محاولة اختراع الكذبة وإخفائها، يؤدي ذلك لإصابة الشخص بالقلق وفي بعض الحالات الاكتئاب.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ إذ تستمر هذه المشاعر في التأثير على عملية الهضم، مما يؤدي إلى الإسهال واضطراب المعدة والغثيان والتشنجات والارتجاع، بحسب Lifehack.
أضرار الكذب طويلة المدى على الصحة
بالإضافة إلى التوتر وعدم الراحة والشعور بالقلق وآلام المعدة على المدى القصير، كشفت مراجعة تم نشرها عام 2015 بمجلة COPSYC لعلم النفس، أن الممارسة المستمرة لهذا السلوك تجعل أضرار الكذب الصحية تؤدي لمضاعفات صحية خطيرة، بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل ضربات القلب وضيق الأوعية الدموية وارتفاع هرمونات التوتر في الدم بشكل دائم.
وتشير دراسات أخرى وفقاً لـ ـPsychology Today، إلى أن التأثيرات طويلة المدى قد تكون ضئيلة، لأنه يبدو أننا نشعر براحة أكبر مع الكذب كلما فعلنا ذلك. وبعبارة أخرى، نحن نطور تسامحاً مقلقاً شيئاً فشيئاً مع الكذب ونبدأ في اعتياده واكتساب مهارة ممارسته دون المعاناة من التأثيرات المصاحبة له.
ربما قد حان وقت التوقف
إذا كان الكذب جزءاً من روتينك اليومي (ولنكن واقعيين، هذا على الأرجح صحيح)، فسيكون من الصعب التوقف ببساطة عن الكذب في اليوم التالي.
ويمكنك أن تقول لنفسك إنك لن تكذب اليوم، ولكن من المحتمل أن ينتهي بك الأمر إلى القيام بذات السلوك على أي حال، وتناسي أو تغافل أضرار الكذب العديدة. لكن حينها حاول أن تفكر، ما أسوأ ما قد يحدث إذا كنت صادقاً؟
Related