الاردن أليوم:في غرب سهيل بات مشهد الأطفال يلهون مع صغار التماسيح جزءًا من معالم المكان المعتادة (غيتي)
تماسيح النيل.. قصص تثير الخوف والدهشة عن “وحش” المصريين القدامى
منوعات
مصر
البرامج – الجار الغريب
منذ 6 دقائق
شارك
يجمع التمساح في موروث النوبيين جنوبي مصر النقيضَين: الخير والشر. فهو وإن بدا في أساطير الأقدمين وحشًا مخيفًا، ظل ظهوره إيجابيًا مع موسم الفيضان.
وتخبر آثار المعابد الفرعونية عن شيء من حضور التماسيح في ذلك العصر: الرمز والدور والمكانة؛ فتروي الجدران قصة السوبك: الإله الذي حمل جسد إنسان ورأس تمساح، وعبده المصريون ونسجوا حوله ظلال الرهبة والغموض.
وعلى غرار ما تتناقله الألسن ويحفظه الوجدان، يحضر التمساح في يوميات المصريين في أقصى الجنوب؛ داخل مياه النيل البرّاقة، وفي البيوت بين ساكنيها.
لكنّ ما يصل الأجيال عن قصص التماسيح يحمل عِبرًا. يروي أحداثًا تثير الخوف والدهشة، فيما تتكاثر علامات الاستفهام: كيف لم تمنع تلك الرهبة أحفاد الفراعنة من تربية التماسيح في منازلهم وبين أحضان أطفالهم؟ وكيف لهذه البرمائيات التي “تمتعت” – وفق الأساطير – بالسطوة والسلطان أن تصبح مصدر رزقهم اليومي؟
في أسوان تؤمّن التماسيح دخلًا لبعض الأهالي؛ يربّونها في البيوت فتستقطب الزوار والسياح لمشاهدتها، أو يقدمون على صيدها وبيعها، مع العلم أن “مصر وقّعت على اتفاقية ينظمها الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، التي تمنع صيد التمساح والاتجار به”، وفق ما يقول أستاذ البيئة المائية في جامعة أسوان مجدي محمد علي.
وفي غرب سهيل، تلك القرية الصغيرة، بات مشهد الأطفال يلهون مع صغار التماسيح جزءًا من معالم المكان المعتادة.
تودّد وقرابين للإله التمساح
يشير المرشد السياحي علاء صالح إلى أن المصري القديم لاحظ الطبيعة، وعبد الإله التمساح. فكما تنبّه إلى أن النيل يفيض ثم يغيض ويفيض بعد ذلك، وجد أيضًا أن التمساح يختفي في العالم السفلي ثم يظهر مجددًا، وبالتالي فهو ينتمي إلى عالمين.
وعلى غرار ما فعلوه إزاء الآلهة التي عبدوها، تودّد المصريون القدامى إلى التمساح ابتغاء خيره ودرءًا لشرّه. وبينما شكّل بالنسبة للصيادين والرعاة خطرًا كبيرًا، عمدوا إلى تقديم القرابين له بغية التقرّب منه.
ويلفت صالح إلى أن التمساح المقدّس كانت تقام له عند موته شعائر دفن مشابهة لتلك التي يحظى بها الملك تمامًا، إذ يتم تحنيط جسده وتقام له مقبرة خاصة.
ويتوقف في هذا الصدد، عند نقش الطائر “ريخيت” الذي يحمل ريشة على رأسه وينظف ما بين أسنان التمساح، ليلفت إلى أنه يرمز الى الشعب الكادح من صيادين ومزارعين وعمال.
التمساح “الخال”.. أخ النيل
من ناحيته، يشير مؤسس متحف التراث النوبي محمد صبحي إلى أن التمساح الذي حمل جانبًا مخيفًا، لم تغب إزاءه النظرة الإيجابية.
ويردف بأن التمساح “وكونه يأتي في موسم الفيضان، نظر إليه الأقدمون على أنه يجلب الخير معه”، مشيرًا إلى أن النوبيين في حلفا ـ وحيث إنهم يعدّون النيل “أمهم” ـ أسموا التمساح بـ”الخال” كونه المخلوق الأكبر في النهر.
كما يشير إلى أن التمساح لعب في الحضارة المصرية القديمة دورًا إيجابيًا، شارحًا أنه ساعد إيزيس على إزالة القدم اليسرى للإله أوزيريس لتعبر بها وتدفنها في جزيرة بيجا.
وبينما يتوقف عند عادة تعليق التمساح عند أعلى باب البيت، يلفت إلى أنها تهدف من جهة إلى إظهار شجاعة مالكه في اصطياد التمساح، ومن جهة أخرى إلى منع الحسد حيث يطرد الخوف من هذا الحيوان الأرواح الشريرة أيضًا.
ويتذكر الرجل البالغ من العمر 71 عامًا، ظهور التماسيح في المنطقة مع الفيضان قبل بناء السد العالي، مشيرًا إلى ما اعتاد السكان المحليون القيام به لحمل الأطفال على التوقف عن السباحة.
فيقول: إن الأكبر سنًا كانوا ينشدون باللهجة المحلية ما مفاده: يا تمساح يا تمساح هناك خروف كبير ينتظرك لتلتهمه، فيهرع الأطفال للخروج من الماء.
كما يلفت إلى أن لكل قرية في النوبة قصة مع تمساح كبير جاء ليهدّد السكان ويمنعهم من الاقتراب من الماء، فإذ ببطل يخرج من بين أهلها ويضحي بنفسه للتخلص منه.
ويذكر صالح عثمان، وهو من قبائل عرب العبابدة، أن واحدة من السيدات كانت تملأ “البلّاص” من مياه النيل، فإذ بالتمساح يلتهمها.
وبينما ينقل ما قيل بشأن رد فعل الناس، الذين تداعوا لتلقين ذلك التمساح درسًا، يقول: إن أحد الرجال الحاضرين تشجع للنزول إلى الماء ومواجهة الحيوان، الذي التهم رِجله.
شهم وشجاع لا يخاف التمساح
ولم تقتصر المرويات الخاصة بالتماسيح على الأحداث والحوادث، بل شملت أيضًا عددًا من الأمثال والحكم.
ومما يُدرج في هذا الإطار، بحسب الباحث في التراث واللغة النوبية منتصر حسن، المثل القائل بأن “النهر أو البحر الذي لا تسبح فيه التماسيح غص فيه بأمان”، وذاك الذي يقول إن على “من يصطاده التمساح احتضانه”، وذلك في إشارة إلى السعي لتلافي شر الطاغية عبر الخضوع لسلطته.
ويتحدث حسن كذلك عن أغنيات مرتبطة بالتماسيح، مستذكرًا تلك التي اعتادت النسوة تردادها لمدح العريس فتصفه بأنه “شهم وشجاع ولا يخاف من التمساح الذي ينام في مؤخرة الجزيرة”.
وفيما يذكّر بأن طارق صلاح الدين عمد في إحدى أغنياته خلال تسعينيات القرن الماضي إلى استنهاض الشباب والقوى الخاملة في النوبة، بالقول: أنتم أولاد أولئك الذين كانوا يصطادون التماسيح بصدورهم العارية، يلفت إلى غياب كلمة التمساح عن الأغنيات الحديثة “لأنه لم يعد له وجود في حياتنا”.
يعضّ حامله وإن اعتاد إطعامه
وسط بحيرة ناصر، يقول الصياد حاتم الطاهر من على مركبه إن من التماسيح في البحيرة ما لا يهاجم الآخرين، ومنهم من يفعل فيأكل عن البر الغنم والجِمال.
ويروي ما شاهده بأم العين عندما نزل جمل إلى المياه ليشرب، فإذ بتمساح يمسك به وينزله إلى أسفل.
كريم نصر الدين، وهو من أهالي غرب سهيل، يلفت إلى أنه وُلد في منزل توجد فيه التماسيح، واعتاد على حملها.
وبينما يشرح الاختلافات بين رفع التمساح الصغير وذاك الأكبر سنًا، يؤكد أن من يتجاوز عمره من التماسيح السنة يعضّ حامله، حتى لو اعتاد الأخير إطعامه لسنوات.