أزمة الرقائق الإلكترونية تزداد تعقيداً

الأردن اليوم – رغم نجاح الكثير من الدول الكبرى خلال الفترة الماضية في احتواء تداعيات تفشي وباء كورونا الاقتصادية عبر برامج غير مسبوقة كمًا وكيفًا، إلا أن بعض تداعيات الأزمة تشابك مع معطيات دولية مثل التغيرات المناخية والجفاف والحرائق، علاوة على البيئة الاقتصادية الاحتكارية، فأفرز أزمات جديدة أو زاد من عنف الأزمات القائمة.

ورغم الانتعاش الاقتصادي الذي بدا واضحا على معظم المؤشرات الاقتصادية لبلدان العالم خلال الآونة الأخيرة، والذي ظهر في صورة معدلات نمو كبيرة، عول عليها الخبراء للخروج من براثن الأزمة الحالية، إلا أن تقسيم العمل الدولي الذي لهث وراء السعر الرخيص للمنتج، فخصص دولا بعينها لإنتاج بعض المنتجات للاستفادة من رخص الأجور والمزايا الضريبية وبالتالي رخص المنتج النهائي، هذا التقسيم ظهرت عيوبه جلية بعد جائحة كورونا.

وكانت أزمات سلاسل الإمداد والتوريد وارتفاع أسعار الشحن في العالم، علاوة على أزمة الرقائق بعضا من إفرازات هذا التقسيم الجائر والذي ربما نجد تشكلاً جديداً له لمواجهة وتفادي أي أزمات مستقبلية محتملة، لا سيما بعد تعمق أزمة الرقائق الإلكترونية أخيراً، وتضارب الآراء حول موعد حلها سواء بحلول منتصف العام القادم، أو حتى بنهايته.

شركات تخفض إنتاجها

تدخل الرقائق كمكون هام في العديد من الصناعات، مثل الهواتف والألعاب الإلكترونية وأجهزة التلفزيون ووحدات التحكم في الألعاب والسيارات، لكن من الواضح أن صناعة السيارات كانت أكبر المتضررين وباتت تواجه صعوبات كبيرة في توفير احتياجاتها، حيث تُستخدم الرقائق لتشغيل كل شيء في السيارة، بدءا من أنظمة إدارة المحرك إلى الترفيه ومستشعرات الوقوف.

وتحتوي السيارةُ العادية على ما بين 50 و150 رُقاقةً للتحكمِ بكل شيء إلكتروني في السيارة، الأمر الذي اضطر شركات السيارات الكبري في العالم إلى تخفيض الإنتاج بصورة كبيرة، بل ولإغلاق بعض المصانع جزئياً وتحمل الخسائر الكبيرة أملاً في حل المشكلة قريباً.

ورغم أن أزمة الرقائق بدأت منذ منتصف العام الماضي، إلا أنها ازدادت عنفاً خلال الآونة الأخيرة، حيث انخفض إنتاج السيارات في المملكة المتحدة بأكثر من النصف في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، مقارنة بالفترة نفسها قبل جائحة COVID-19.

وفي بداية أغسطس/ آب الماضي، أوقفت شركة جنرال موتورز خطوط التجميع لعدد من مصانع الشاحنات الصغيرة، لأن الشركة ليس لديها رقائق كمبيوتر كافية، كما خفضت تويوتا إنتاجها العالمي من السيارات بنسبة 40% خلال سبتمبر/ أيلول الماضي.

وكانت الشركة قد خططت لتصنيع ما يقرب من 900 ألف سيارة شهريا، لكنها خفضت ذلك الآن إلى 540 ألف سيارة فقط.

وبحسب شركة Auto Forecast Solutions، المختصة في أبحاث إنتاج السيارات، فإن العالم يعيش أزمة حقيقية بسبب النقص الشديد والمستمر في الرقائق الإلكترونية، وأن الخسارة تخطت جميع حدود التوقعات، حيث خسر الإنتاج العالمي نحو 7.3 ملايين سيارة خلال الأشهر الـ8 الأولى من العام الجاري، ومن المتوقع ازدياد الرقم إلى 9 ملايين سيارة حتي نهاية العام.

210 مليارات دولار خسائر العام الحالي

ساد تفاؤل كبير مع بداية العام الحالي بتراجع أزمة الرقائق، خاصة مع اكتشاف وتوزيع اللقاحات حول العالم، ولكن انعدام عدالة التوزيع ومعاودة الإغلاق في بعض الدول المنتجة للرقائق، مثل ماليزيا، فاقما الأزمة، وضاعفا الخسائر المتوقعة بسببها.

وطبقاً لشركة الاستشارات AlixPartners، فإن التوقعات الحالية تشير إلى خسارة صناعة السيارات العالمية نحو 210 مليارات دولار من إيراداتها في عام 2021، وهي الخسائر التي تفوق توقعات الشركة نفسها في نهاية مايو/ أيار الماضي بخسارة 110 مليارات دولار فقط.

وبذلك فإن الخسائر المتوقعة للصناعة تبلغ ثلاثة أضعاف التوقعات الأولية للشركة ذاتها في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي، والتي قدرت بنحو 60.6 مليار دولار عندما بدأت مشكلة قطع الغيار في دفع شركات صناعة السيارات إلى خفض الإنتاج في المصانع.

ومن الطبيعي أن تضطر مصانع السيارات إلى تسريح بعض عمالها لمواجهة تخفيضات الإنتاج والإغلاق الجزئي وتراجع الإيرادات، وهو الأمر الذي لن يتوقف عند حدود رفع معدلات البطالة التي لا تزال في طور التعافي من تداعيات أزمة الفيروس، ولكنه قد يتسبب في انكماش الطلب الاستهلاكي بسبب انخفاض الأجور أو انعدامها، وربما تتضاعف وتنتقل تأثيراته إلى العديد من القطاعات الاقتصادية الأخرى.

ارتفاع ملحوظ لأسعار السيارات المستعملة

دفع نقص السيارات الجديدة الناتج من أزمة إمدادات أشباه الموصلات إلى تغير ملحوظ في نمط الاستهلاك العالمي، حيث تنامى الطلب على السيارات المستعملة بصورة كبيرة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بصورة كبيرة.

ففي بريطانيا، ارتفع متوسط الطلب على السيارات المستعملة بنسبة 15.2% على أساس سنوي، وهو ما أدى إلى زيادة ليست بالقليلة في أسعار معظم المركبات، وبلغ الأمر أنه تم تحديد الارتفاع في أسعار السيارات المستعملة باعتباره المحرك الرئيسي للتضخم في المملكة المتحدة في شهر يوليو/ تموز الماضي.

الواقع ذاته تكرر في السوق الأميركية، حيث ازدهرت مبيعات السيارات المستعملة، وحاليا ارتفع السعر الحالي للسيارة المستعملة في عدد من الولايات المتحدة بنسبة أعلى (ما بين 10 و30%) على الأقل من قيمتها الفعلية، وفق موقع “سمول بيزنس تراند”.

ووفقا لرابطة تجار السيارات في مصر، فإن أزمة نقص الرقائق الإلكترونية ساهمت في تحسين مبيعات “كسر الزيرو” – وهي سيارة موديل السنة، لكن عداد السيارة لم يسجل أكثر من 20 ألف كيلومتر – بنسبة 30%، نتيجة اتجاه المستهلكين لشراء هذه الطرازات بسبب توافر الجديد منها بسعر أعلى قد يتخطى 40 ألف جنيه، علاوة على قوائم الانتظار الطويلة، مشيرين إلى أن نحو 25% من المستهلكين قرروا شراء السيارات المستعملة بدلا من الزيرو.

خلافات حول موعد انتهاء الأزمة

تتكلف صناعه الرقائق الإلكترونية استثمارات ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، كما أن بناء مرافق تصنيع أشباه الموصلات يستغرق عدة سنوات، وتحتكر ثلاث شركات كبرى 80% من الإنتاج العالمي، وهي : شركات Samsung الكورية وIntel الأميركية وTSMCالتايوانية، بما يعني أن سوق إنتاج الرقائق احتكاري إلى حد كبير، وبذلك فإنه من الصعوبة تعويض نقص إنتاج أي منها في الأجل القصير، وربما قد يتطلب أجلاً أطول من المتوسط..

وذلك يعني ببساطة أن انتهاء الأزمة يتوقف علي القرارات الإنتاجية لهذه الشركات، بالإضافة إلى السباق نحو التخزين الذي نجحت من خلاله الصين في تخفيف آثار الأزمة عليها بصورة كبيرة، كما يعني ذلك أيضا أن توقعات انتهاء أزمة الرقائق ربما تبدو تقديرية إلى حد كبير، فبينما كان الخبراء يشيرون إلى نهايتها بنهاية النصف الأول من العام الحالي، أصبحوا أكثر اختلافاً حول نهايتها في أواخر منتصف العام القادم.

عموماً، بينت أزمة الرقائق الإلكترونية أنه بات جلياً أن الاعتماد والارتكان إلى محتكري إنتاج بعض المستلزمات الإنتاجية يشكل خطراً محتملاً للجميع حتى لمصانع البلدان المحتكرة ذاتها، ولذلك فإنه من الضروري اتخاذ إجراءات لتفكيك بعض هذه الاحتكارات العالمية وفق خطط استراتيجية للدول الناهضة، وتوطين الصناعات الجديدة في مناطق جغرافية تمتلك مقومات التنافسية، وبما يقلل مخاطر الأزمات المعولمة على الجميع.