كتب د. عاصم منصور …
رغم مضي قرابة العامين على ظهور جائحة كورونا، إلا أن الجدل الدائر حول حصيلة الأعداد الحقيقية للخسائر البشرية لم يخمد بعد، وبالرغم من اتفاق معظم الخبراء والمتابعين على أن الأعداد الحقيقية للإصابات هي أضعاف رقمها المُسجل رسمياً، وأن المؤشر الحقيقي لحجم الخسائر هي أعداد الوفيات التي يصعب كتمانها ومع ذلك حتى هذه الأخيرة لم تسلم من ادعاءات المشككين فيما يتعلق بحقيقة هذه الأعداد من المتوفين، وفيما إذا كانت جميع هذه الوفيات ناجمة عن الإصابة بالعدوى أم أنها مصاحبة لها في سياق أمراض مزمنة أخرى، وما دور كل من هذه الأمراض الحرجة في المساهمة في التسبّب بحدوث الوفاة.
فنحن نعلم أن بعض الوفيات قد حصلت لمرضى كان من المتوقع وفاتهم بعلل وأسباب أخرى وقد تكون الإصابة بالعدوى قد عجلت بالوفاة المحتومة لهؤلاء، لكن هذا الأمر لا يقتصر على الإصابة بعدوى كورونا، فكثيرون من المرضى المصابين بأمراض مزمنة أخرى كالسرطان وأمراض القلب والسكري وغيرها من الأمراض يكون سبب الوفاة لديهم عاملا آخر مختلفا ومصاحبا لها.
وباختلاف وجهات النظر حول هذه القضية ما تزال تثار شكوك كبيرة، تحوم حول تقليل بعض الدول من الإعلان عن عدد الوفيات لأسباب سياسية، فقد شاعت فكاهة سوداء حول إحدى الدول العربية التي لم يقض فيها بالوباء سوى المشاهير، فهؤلاء لا يمكن التعتيم على إصابتهم بالفيروس أو خبر وفاتهم، خاصة في عالم (السوشيال ميديا) الذي يحصي عليهم أنفاسهم.
فالتقرير الذي نشرته مجلة “ إيكونوميست” الأسبوع الماضي قد نجح في جذب الأنظار واهتمام المختصين بهذا الشأن حول صحة الأعداد الحقيقية لضحايا الجائحة، خاصة أن مُعدي التقرير استخدموا طريقة حساب الوفيات الزائدة “ Excess deaths” بهدف التوصل الى الأعداد الأقرب للحقيقة بالنسبة للخسائر البشرية التي تسببت بها الجائحة سواءً بصورة مباشرة أو غير مُباشرة. فالجميع يعلم أن الجائحة قد تسببّت بالعديد من الوفيات المبكرة لمرضى لم يتمكنوا من الحصول على الرعاية الطبية نتيجة استحواذ الجائحة على أجندة الرعاية الصحية بالمجمل بحيث لم يبق لهؤلاء المرضى حصة من هذه الرعاية التي وجهت لمرضى كورونا وفقاً لسلم الأولويات.
ويُعرّف مصطلح الوفيات الزائدة بالفرق بين الأعداد المرصودة للوفيات في فترة زمنية محددة في ظل انتشار الوباء، وبين الأعداد المتوقعة للوفيات في نفس الفترة الزمنية من الأعوام التي سبقتها مع الأخذ بالحسبان عامل الزيادة السنوية المتوقعة لهذه الوفيات. وهذا التصور في حساب الوفيات يوفر تقديرات أسبوعية للوفيات الزائدة، بحيث تتم مقارنة التعداد الأسبوعي الحالي للوفيات بأعداد الوفيات التي سبتقتها تاريخياً لتحديد إذا ما كان عدد الوفيات أعلى بكثير مما كان متوقعاً.
كما عمدوا الى استخدام ما يوفره الذكاء الصناعي من قُدرات لحساب عدد الوفيات الزائدة، وخلصوا الى أن العدد الحقيقي “للوفيات الزائدة” يتراوح بين( 10-20) مليون وفاة، أي ما يعادل ضعفي الى أربعة أضعاف الأرقام المعلنة.
وقد كان التباين واضحا بين الدول من حيث نسبة عدم الدقة في احتساب الوفيات، فكما هو متوقع فقد كانت الدول الغربية الأكثر دقة بنسبة خطأ بلغت ( 20 %) بينما بلغت نسبة عدم الدقة في البيانات لدى بعض دول العالم الثالث ( 1600 %).