الأردن اليوم : أقدمت الإذاعة الدولية الألمانية العامة “دويشته فيله”، الإثنين، على فصل صحافية فلسطينية بتهمة معاداة السامية على خلفية تدوينة نشرتها عبر صفحتها الشخصية تحدثت فيها عما أسمته “وهم حرية الرأي والتعبير في أوروبا”، دون الإشارة لأي أمر ذي صلة بإسرائيل أو معاداة السامية.
و قالت الصحافية مرام سالم (31 عاماً)، والتي بدأت عملها مع المؤسسة الألمانية في 2020، وكان من المفترض أن ينتهي عقدها بعد عامين، إن قرار فصلها جاء بعد شهرين من التحقيقات الداخلية والخارجية التي أجريت معها وخمسة آخرين، بتهمة معاداة السامية، مشيرة إلى أنها أُبلغت بالقرار عبر تقنية “الفيديو كول” مع الدائرة القانونية في المؤسسة، دون التأكيد بأن القرار يأتي على خلفية التحقيقات التي أجريت معها بتهمة “معاداة السامية”.
وأكدت مرام سالم أن عدم الإتيان على ذكر السبب يأتي في إطار “تعويم القضية” ومحاولة تحوير الإجابات التي أدلت بها خلال التحقيق، بما يخدم قرار المؤسسة، ويصنفها فعلاً كـ”معادية للسامية”، معبرة عن صدمتها من تجاهل “دويتشه فيله”، الصراع الطويل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، محاولة تبني الرواية الإسرائيلية، دون مراعاة واحترام خصوصية الفلسطيني ومواقفه من الصراع مع إسرائيل.
وأوضحت سالم أن التحقيقات التي أجريت معها تضمنت أسئلة تعتبرها “عنصرية”، وتركز بشكل أساسي على موقفها من إسرائيل، ومن تلك الأسئلة، “كيف تمت تربيتك في منزل عائلتك فيما يتعلق بإسرائيل؟ ما هو رأيك بحركة حماس؟ ما رأيك بطبيعة علاقة ألمانيا بإسرائيل، فضلاً عن موقفي من الاعتراف بإسرائيل!”.
ورداً على ذلك قالت: “شعرت كأنهم يريدون إلصاق تهمة الإرهاب بي، وأنهم يسألونني تلك الأسئلة فقط ليؤكدوا هذه التهمة”، مؤكدة أن إجاباتها جميعها لم يكن فيها ما يمكن استخدامه كدليل إدانة ضدها أو تأكيد التهم التي حاولت دويتشة فيله إلصاقها بها كمعاداة السامية”.
ولفتت مرام، التي عملت في قسم التواصل الاجتماعي في المؤسسة الألمانية على إنتاج الفيديوهات، إلى أن 8 صحافيين آخرين لازالوا بانتظار قرار إحالتهم للتحقيق، فيما تصف اللجان التي شُكلت للتحقيق معها بأنها غير محايدة، مؤكدة أن المسؤولين المباشرين عنها في المؤسسة يدركون جيداً حقيقة أن ما تم الادعاء به كونها معادية للسامية باطل، لكن دوتيشه فيله “قررت التضحية بنا ككبش فداء، كون القضية تتعلق بإسرائيل التي يتم التعامل مع قضاياها بحساسية عالية هنا في ألمانيا”، على حد تعبيرها.
وبيّنت مرام أن 4 صحافيين آخرين تم إيقافهم عن العمل بشكل رسمي، بالطريقة ذاتها، “وجميعنا تعرضنا للتحقيق الداخلي والخارجي بتهمة معاداة السامية”، مؤكدة أن شهرين كاملين من التحقيق والمناقشات بهذا الخصوص خلت من تسليمهم أية أوراق رسمية بشأن مجريات التحقيق، وهو ما ترجعه سالم إلى “عدم الحيادية، والعمل على استغلال الإجابات وتحويرها لتأكيد التهمة علينا، فضلا عن عدم نزاهة الإجراءات المتبعة، فقط لترضي إسرائيل”.
وجاء في نص التدوينة التي كتبتها مرام وتمت على أساسها إدانتها بتهمة معاداة السامية “حرية التعبير وإبداء الرأي في أوروبا وهم.خطوط حمر كثيرة إن قررنا الحديث عن القض ية”.
التشفير الذي نقوم فيه بالعادة لا يهدف لإخفاء البوستات من الفيسبوك، بل لمنع الترجمة التلقائية من كشف معاني كلماتنا للمراقبين (والمنا.ديب) هنا، ممن على أهبة الاستعداد لإرسال طلب بفص.لنا، أو تر.حيلنا”
وعن الإجراءات التي تنوي اتخاذها بشأن قرار فصلها، أكدت سالم أنها ماضية باتجاه مقاضاة القناة في المحاكم الألمانية والدولية، مؤكدة أنها على تواصل مع عدد من المنظمات الحقوقية وتلك الداعمة للصحافيين، كون قرار فصلها جاء استناداً على ما كتبته عبر صفحتها على موقع “فيسبوك”، وهو أحد الأوجه المرتبطة بحرية الرأي والتعبير.
وعما إذا كانت قضية فصلها وعدد من الصحافيين على خلفية ما كتبوه قد لاقت صدى داخل ألمانيا، أشارت سالم إلى أن التضامن كله كان من خارج ألمانيا، وهو ما يدفعها للتأكيد على ضرورة أن تتحول القضية للرأي العام العالمي، كون “دويتشه فيله” تستهدف الجمهور العالمي وليس الألماني فحسب، فضلا عن اتساع مساحة الفعل الحقوقي على الأرض خارج ألمانيا.
وطالبت بأن يكون هناك موقف واضح من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، والمنظمات الصحافية العالمية، تجاه فصلها من العمل.
وفي بيان نشرته، اليوم الإثنين، على صفحتها على “فيسبوك”، أعلنت سالم عن قرار فصلها. وجاء فيه أن الخطوة التعسفية التي جاءت ضدها كانت نتيجة لصراعات داخلية كيدية، ومجموعة من الإشاعات غير الصحيحة، ولسبب لا أعلمه وجدت نفسي وسط هذه الخلافات وتم استخدامي كبش فداء من دويتشه فيله للخروج من أزمتها الحالية”.
وتساءلت بغضب: “هل يعقل أن تقوم وسيلة إعلام تنادي بالحريات بفصل موظفة لديها لأنها انتقدت حرية التعبير في أوروبا؟، مع التأكيد على أن إجراءات التحقيق لم تكن حيادية، إذ تم تعيين إسرائيلي في لجنة التحقيق الخارجية، غير أن الأسئلة كانت بمجملها عنصرية، فوجدت نفسي في مرمى الاتهام لمجرد كوني فلسطينية”.
وأضافت: “كل هذا جاء دون مراعاة الخصوصية التاريخية، وطبيعة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، واعتبرت دويتشه فيله نفسها بأنها فقط من يحدد معايير حقيقة الصراع ومن هو الطرف المحق، رغم فشل الجسم الدولي والعربي في حل الأزمة بين الطرفين لأكثر من سبعين عاما.
“أما في التحقيق الداخلي فقد طرح عليّ سؤال فوجئت به حقا، إذ لا يتم طرحه عادة إلا من جسم أمني يعمل لدولة قمعية: “كيف تكتبين أنه لا يوجد حريات وأنت تعملين لدى دويتشه فيله؟، والذي يشبه سؤال رجال المخابرات (كيف تجرؤ أن تتحدث عن انعدام الحريات في البلاد)؟”.
وأوضحت أن نتائج التحقيق لدى دويتشه فيله، أثبتت أن “هويتك كفلسطيني كافية لأن تكون سببا في اتهامك بمعاداة السامية”، محملة دويتشه فيله المسؤولية عن حالتها الصحية العقلية والنفسية والجسدية خلال فترة التحقيق والفترة القادمة، وأي تبعات تتعلق بمستقبلها المهني.
وتابعت: لقد أتيت إلى ألمانيا من أجل الحفاظ على حريتي التي لطالما كانت سلاحي الأقوى، لقد واجهت محاولات قمع وتهديد في بلادي، وكنت أظن أن العمل لدى وسيلة إعلام دولية لطالما تغنت بالحريات سيكون مختلفا، ولكنها أثبتت أن الإعلام ليس حرا حقا، وستتم محاكمة الصحافي علنيا لمجرد قوله ”لا يوجد حرية تعبير.. دويتشه فيله قمعت حريتي في التعبير عن رأيي!”.
كما طالبت أصدقاءها في كل مكان بالتضامن معها، قائلة “أصدقائي وصديقاتي، لطالما وجدت نفسي وحيدة في مواجهة صراعاتي السياسية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية، ولكن هذه المرة أنا بحاجتكم، لأن ما يحدث الآن هو هجوم صارخ على حرية التعبير وعلى الصحافيين وعلى هويتي لمجرد أنني فلسطينية، متمنية أن تلقى دعواتها استجابة عاجلة لإنصافها.
والأحد، أعلنت دويتشه فيله أن مديرها العام بيتر ليمبورغ وعضوي لجنة الخبراء متمثلة بوزيرة العدل السابقة، وفلسطيني يصنف نفسه أنه داعم لإسرائيل ويدعى محمد منصور، سيقدمون ظهر الإثنين معلومات عن نتائج التحقيق في مزاعم “معاداة السامية” ضد موظفي دويتشه فيله وشركاء التوزيع، وفي سبيل هذه الغاية سُيعقد مؤتمر صحافي عن بُعد للكشف عن النتائج النهاية للملف.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أعلنت “دويشته فيله عن وقف بعض موظيفها العرب والعاملين المستقلين في الخارج عن العمل على أن يتم فتح تحقيق، بمشاركة وزيرة العدل الألمانية السابقة سابين لوثيوسر شنارنبرغر والطبيب الإسرائيلي أحمد منصور، باتهامات تتعلق بمعاداة السامية.