الأردن اليوم: لم يسلم قطاع التعليم في مدينة القدس المحتلة على مدار سنوات سابقة وما يزال، من محاولات الاحتلال الإسرائيلي الهادفة لأسرلته وتهويده، عبر استثمار ملايين الشواكل، وتقديم كل الإغراءات اللازمة والأنشطة والبرامج اللامنهجية، لتحقيق أغراض ذات أجندة تهويدية بحتة، لا تخدم الطلبة الفلسطينيين.

ويتعمد الاحتلال إهمال التعليم في المدينة المقدسة، رُغم ما يواجه من أزمة حادة في البنى التحتية ومضامين التعليم والتربية، بسبب إجراءاته العنصرية، والتي استنزفت قدرته على البقاء والصمود أمام المناهج الإسرائيلية، وفي ظل غياب أي سيادة فلسطينية.

فالفجوة بين مدارس الفلسطينيين والإسرائيليين بالمدينة كبيرة جدًا، سواء على مستوى الغرف الصفية والمرافق والتجهيزات التعليمية أو على مستوى الميزانيات المخصصة لدعم تلك المدارس، وأيضًا كفاءة الجهاز التعليمي.

وقبل عدة أيام، صادقت وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية بالتعاون مع “وزارة القدس” وبلدية الاحتلال على مشروع يخصص وللمرة الأولى، ملايين الشواكل لتطوير الرياضة في القدس، من خلال إقامة عدد من المنشآت الرياضية الجديدة، علمًا أنها تُشكل إغراءً جديدًا باتجاه أسرلة التعليم، وليس بهدف خدمة الطلبة الفلسطينيين.

وبحسب “أسبوعية كول هعير” العبرية، فإن المنشأة الأكبر ستكون قاعة رياضية كبيرة تُعد لكرة السلة، ولأعراض أخرى في وادي قدوم ورأس العامود في بلدة سلوان بمساحة ١٤ دونمًا، وتستخدم في ساعات النهار مدرسة وبعد الظهر تخصص للجمهور، وذلك مع ملعب كرة قدم ومسارات مضاءة وأجهزة رياضية.

وأضافت أن أهداف المشروع كثيرة، ويأتي بعد سنوات طويلة من الإهمال المستمر للمنطقة السكانية المكتظة التي “يتأجج فيها العنف” ويفتقد فيها الشبان للملاعب والرياضة.

إغراءات مالية

ونظرًا لأهمية التعليم لدى الشعب الفلسطيني، وتحديدًا في مدينة القدس، فإن الاحتلال يسعى إلى أسرلته والسيطرة على المدارس المقدسية، عبر تقديم كل الإغراءات المالية، وإدخال مفاهيم مختلفة عن قيمنا وهويتنا الفلسطينية. يقول المختص في شؤون القدس ناصر الهدمي.

ويوضح الهدمي أن الاحتلال ومنذ اليوم الأول لاحتلاله المدينة، عمل ولا يزال على إدخال مفاهيم جديدة للسيطرة على التعليم في المدينة، لكن وعي المعلمين ورفضهم تدخلات الاحتلال حال دون تحقيق ذلك.

ويشير إلى أن بلدية الاحتلال قدمت إغراءات مالية لبعض المدارس في القدس، وساهمت في تطوير خدماتها ورفع رواتب موظفيها.

“لكن عندما باتت تلك الأموال جزءًا أساسيًا لدى تلك المدارس، بدأت بلدية الاحتلال تبتزها لأجل استمرارها في تقديم الخدمات لها، مقابل تدريس المنهاج الإسرائيلي”. يضيف الهدمي

ويبين أن الاحتلال ساهم في إدخال النشاطات والبرامج اللامنهجية والرياضية في بعض المدارس، والتي في حقيقتها تحمل شعارات عنصرية وذات طابع إسرائيلي بحت يستهدف كي وعي الطلبة الفلسطينيين.

ويلفت الهدمي إلى أن سلطات الاحتلال خصصت 7 مليار شيكل إضافية خلال العام الدراسي الحالي، لأجل تهويد التعليم في المدينة المقدسة، ما يُنذر بتداعيات خطيرة على التعليم، وتربية الجيل الناشئ، والحفاظ على الهوية الوطنية.

ويؤكد أن الاحتلال لا يريد مدارس فلسطينية تحافظ على هويتنا وقيمنا ومنظومتنا الوطنية، ولا يريد تدريس التربية الوطنية، التي تتحدث عن أهمية القدس والمسجد الأقصى، بل يعمل على كي وعي الطلبة وغسل أدمغتهم، واحتلال فكرهم.

خطة خمسية

وقبل عدة سنوات، صادقت حكومة الاحتلال على خطّة بعنوان: “الخطّة الخمسية: تقليص الفجوات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتطوير الاقتصاديّ لشرقيّ القدس، 2018-2023″، وخصصت لها ميزانية بقيمة 2.3 مليار شيكل.

وقد حددّت الخطّةُ ستّة قطاعات ستعمل فيها: التعليم والتعليم العالي، الاقتصاد والتجارة، التشغيل والرفاه، المواصلات، تحسين جودة الحياة والخدمات المُقدّمة للسكان، وتخطيط وتسجيل الأراضي.

ويستحوذ قطاع التعليم على الحصّة الأكبر من ميزانيّة الخطّة، بقيمة 445 مليون شيكل على الأقلّ، أي أن “إسرائيل” تصرف من عام 2018 حتى 2023 ما يقارب 89 مليون شيكل سنويًّا على تشكيل القطاع التعليميّ في القدس وفق مصالحها.

وتُركّز الخطّة على عدة مستويات، أبرزها “زيادة الإقبال على المنهاج الإسرائيليّ في المدارس، بما يشمل حوافز تعليمية وميزانيات استئجار مبانٍ وغيرها، وتوسيع نطاق التعليم اللامنهجيّ، وتعليم اللغة العبريّة، والتعليم التكنولوجيّ”.

محو الذاكرة والهوية

ويقول المختص في شؤون التعليم بالقدس حاتم خويص إن التعليم يشكل قضية جوهرية بالنسبة للاحتلال، لأنه يخلق جيلًا واعيًا يرفض الاحتلال ويقاومه.

ويبين أن حكومة الاحتلال أقرت خلال العام 2015، الخطة الخمسية، وخصصت ميزانيات مالية بهدف تغيير المنهاج الفلسطيني واستبداله بالمنهاج الإسرائيلي، عن طريق تقديم امتيازات وإغراءات مالية كبيرة لذلك، رُغم أن ذلك يتنافى مع اتفاقية جنيف الرابعة.

وفي المقابل، فإن المدارس شرقي القدس تعاني نقصًا في البنى التحتية والموارد المالية والمرافق التعليمية، وفي كتب المنهاج الفلسطيني، ومحاولة إضعافه، وإغلاق المدارس الوقفية في المدينة.

ويشير إلى محاولات الاحتلال إغراق بعض المدارس بالأموال التي قد تساعد في تفكير الأجيال الصاعدة حول قبول هذا الاحتلال والتوافق مع أهدافه، لكن رغم ذلك، فإن المجتمع المقدسي يعي خطورة ما يحدث، ويرفض كل الإغراءات الإسرائيلية.

والأخطر-وفق خويص- يُكمن في “محاولة الاحتلال محو الهوية والذاكرة الوطنية من عقول وقلوب الطلبة، والعمل على اندماجهم مع المجتمع الإسرائيلي من خلال الأنشطة اللامنهجية الرياضية والاجتماعية وغيرها، والتدرج نوعًا ما نحو (الخدمة المدنية) والتطوع المجتمعي في جيش الاحتلال”.

ولمواجهة تلك الإجراءات الإسرائيلية، يؤكد المختص في شؤون التعليم على ضرورة تحصين المجتمع المقدسي وتوعيته بمخاطر ذلك، وإقامة فعاليات وأنشطة قوية وشاملة للحفاظ على الهوية والمنهاج الفلسطيني، مع العمل على تطوير لجان أولياء الأمور للالتفاف والاهتمام بالمخاطر التي تواجه التعليم