كتب المهندس سليم البطاينه
ما يوجع قلبي أن الأردن شاخَ وتساقطت أوراقه وأصابه الوهن ، وانتشر العفن في كل أرجائه .. عفن مرئي وعفن أخلاقي مغلف بطعم الفساد الذي تفشى في كل مفاصل الدولة ، بحيث أُفرغت الساحة لصبيان السياسة وصار المرتشي والفاسد والعميل والمزور واللص في أعلى مراتب الدولة والحكومة.
نعم شاخَ الأردن وتساقطت أوراقه قبل أوانه لأنه حُرم من التطور والتنمية والإزدهار ، فقد تم ربط السلاسل الحديدية في قدميه ، وأصبح من يخاف على الأردن في دائرة الإتهام ، ويتّهم بالسوداوية وتشويه الإنجازات ، أما من باع واشترى ونهب أو ساعد على النهب والبيع مكانه في دائرة الحظوة والنفوذ.
شاخَ الأردن وخضع منذُ سنوات طويلة لفاسدين أسّسوا مناهج الفساد باعوا ونهبوا كل شيء ، واستهدفوا التعليم والصحة ، فتدنّت مستوياتها لتلائم مستوى عقولهم وحقدهم ، أدت إلى موجة غضب وتشاؤم لم أعرفها يوماً، وليس بوسع أحد تصور ما سيأتي غداً أو بعد غد ، فأحد ركائز الدولة القوية أن يكون مجتمعها في حالة هدوء وسكينة ، فالمخاطر مفهوم ينطوي على سحر مُرعب لا حد له ، والدولة الضعيفة لا يخلف عنها إلا التفكك الذي يضرب المجتمع في الصميم ، وأعتقد أنني لا أتجاوز عندما أصف ما يحصل .. فما تراه العين وتسمعه الأُذن ويحس به القلب هو واقع مرير يوجع القلب ويدميه.
وإذا ما سلمنا بأهمية هذا الطرح ، فالمُطل على المشهد الداخلي يرى أنه مشهد سريالي بإمتياز ، مظاهره غريبة تقفز فوق الواقع بتناقضاتها وغموضها وتعقيدها وكأنها خارج تحكم العقل والمنطق ، وانطلاقاً من أن إخفاء المرض لا يشعر المرء بالطمأنينة على صحته .. لابد من التميز بين السبب والفعل ورد الفعل ، مع الإقرار والإعتراف بوجود قوى ومصالح كانت سبباً في شيخوخة الدولة.
إن القلم تقاعد من وطأة اليأس ، فهنالك أسئلة معظمها حاضر لكن أجوبتها غائبة ؟ هل لدينا إرادة للتغير من الأعلى ؟ وهل حققنا أي درجة من النُضج والوعي لقلع الفساد الهيكلي من جذوره ؟ وأين أصبحنا الآن ؟ ولماذا كل تلك المسرحيات العبثية ؟ فعلى ما يبدو أن القصة واحدة مهما اختلفت النغمات والسمفونيات ، فالنوتة مكتوبة بأيدٍ لئيمة .. اسألوا أنفسكم لعل وعسى أن تجدوا إجابة للدوامة المُدمرة التي نعيشُها.
فالإقصاء المُمنهج كان بقصد وبفعل فاعل وراء تغيب الرجال والقادة ، فقد تم وأد الرجال وبدأ التصحر الرجولي ، وباتت أزمتنا من صُنع صبيان يتراكضون وراء مصالحهم وتجارتهم للحفاظ على مواقعهم ، وأحياناً أشعر بالحزن كلما استعرضت أسماء بعضاً منهم ، بحيث بات المشهد لا يتمخضُ إلا على بعيرٍ مريض أجرب لا ينفع.
وأصبح تحسين المزاج العام مهمة مستحيلة ولم يعد بالإمكان إنجازها بالأدوات التقليدية ، فأحياناً يبلغ بنا الشك حد تكذيب المتحدث بسبب غرابة ما يحمل كلامه من واقع مؤلم وصادم لأن فجوة الثقة كبرت وبات من الصعب ردمها.
فإلى متى سنبقى محاصرين ونستدين ثمن رغيفنا ؟ فقد تم بيع البقر من أجل شراء الحليب ، ولم يبقى شيئٌ من أصول الدولة ، فقد بيعت بثمن بخس أدى بعد ذلك إلى إغراق البلاد بديون تفوق حجمها وحجم اقتصادها ..على ما يبدو أن القادم أفظع وأبشع ما لم نتدارك إصلاح السياسات الحمقاء بأسرع وقت ممكن ، فالاردنيون لن ينهضوا إلا عندما يشعرون أن ظُلم اليوم أقل من ظلم الأمس ، وعندما لا تصبح الحقوق أمنيات ، فبداخلهم شعور غامض وهو الخوف من شيء مجهول مصحوب بسلوكيات تعكس حالة من التوتر وعدم الإرتياح.
فالشعور العام يحيط به التشاؤم ، وهذا الوطن قرر أغلب أركانه التقاعد ، معلناً نهاية الخدمة رافضاً أن يعود ، ففي آخر تقرير لصندوق Fund for peace التابع للأمم المتحدة بالاشتراك مع مجلة Foreign Policy الأمريكية بأن الأردن لا زال في دائرة High Alert.
هل تحدث معجزة ؟ أم يستمر التراجع والتدهور ، وهل سيتعمق ويتوسع الثقب في جدار وبنية الفساد ؟ فهناك حال دولة مشابهة لنا ، إلا أنها قفزت إلى مصاف الدول المتقدمة في القضاء على الفساد واسترداد المال العام وهي جمهورية بتسوانا الإفريقية التي ارتقت بشعبها ووضعت قدمها في المكان الصحيح ، وهذا يعود لرؤية وعزيمة لإرادة التغير نهّجها رئيس دولة بتسوانا Serets Khama.