اقتصاد يتهاوى .. والإقتراض مستمر بعيدًا عن الضجيج والأضواء !

المهندس سليم البطاينه

أحياناً تبقى الكلمات والسطور عاجزة عن عرض المكنون ، لأن هنالك صعوبة في فهم ما يجري ، فالدولة بشكل عام تحتاج قروضاً سنوية بقيمة مليار ونصف المليار دولار ( المعلن عنها ) وهي تقريباً قيمة عجز الموازنة في كل عام بعد المنح والمساعدات ، لكن هنالك بالمقابل أسئلة تُطرح بمناسبة ودون مناسبة : ما هي الجدوى من الإستمرار بالإقتراض في ظل غياب واضح للمشاريع التنموية ؟ أسئلة لابد من تقديم إجابات شافية حولها ! فكفانا لجان وتصريحات ، فعجز الموازنة يتزايد من جهة ، والدين العام يكبر من جهة أخرى ! والأردنيون ينحدرون إلى أسوأ وضع من جهة ثالثة .. والدولة ومنذ عام ١٩٩٠ تروج وتسوق بأن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما طوق النجاة الوحيد الذي لا مفر منه ! وعلى طريقة الدواء المُر كالعلقم.

والسياسات الإقتصادية لمعظم الحكومات تم وضعها لمصلحة فئات رأسمالية رمت الأردنيين في مستنقع الفقر والمرض والجوع والبطالة ، فموازنة الدولة ما زالت تشهد تنامي تكاليف الإقتراض ، والحكومات للأسف وفي كل مرة تخدع السُذّج والبسطاء من الناس بأنها قاب قوسين أو أدنى من النجاح لتحقيق أمنياتهم ، لكنهم يتفاجؤون أن الحقيقة هي تكرار الفشل والخذلان .. وبالتالي بات أي سعي لحل الأزمة الإقتصادية يجب أن يتجاوز الإطار الشكلي وباتت عقلية إطفاء الحرائق لا تُجدي نفعاً.

وغالبية الحكومات منذُ عشرون عاماً تكلّس فِكرُها الإقتصادي ولم تعد تُفرّق بين الأعراض والمرض ، والمُسكنات والعلاج طويل الأمد .. فقد قفزت عن الجدار ولم تصطدم به بحجة تعدد مرجعيات ذلك الملف وعملت على إبقاء الأردن في مستنقع الديون والكساد التضخُمي.

فأصعب ما يواجه أية حكومة هو غياب البدائل لإختيار من بينها الأفضل ، بحيث تبتعد قدر الإمكان عن الأسوء وأن لا تفقد الحيلة ، فالوضع حاليًا بات في غاية الخطورة ، والحكومة فقدت قدرتها على السيطرة على ارتفاع الأسعار ، وشهر رمضان على الأبواب ، والضرائب الموحشة انهكت الناس والدولة لا تبالي ودون اكتراث مستندة إلى ما بدا لها أنه انعدام قدرة الناس على القيام بأي رد فعل ، فجميع المؤشرات الإقتصادية في الأردن تعكس حجم الأزمة.

وأنا هنا لست من المؤمنين بنظرية المؤامرة ، فأبعاد ذلك الموضوع واسعة جدًا وتحتاج إلى الكثير من الوقت لسردها ، لكن جميع قروضنا والتي مصدرها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي دوماً تكتسي حالة من التشابك ما بين الإقتصادي والإستراتيجي السياسي ، أي بمعنى آخر أن منح القروض والإعانات تخضع لمحددات اقتصادية تتأثر كثيراً بالمصالح السياسية والإقتصادية ، ممّا يثير الشكوك لماذا تراخى الصندوق والبنك الدولي في ضبط مديونية الأردن ، بل على العكس كان يشجع الدولة على المزيد من التوسع في الإقتراض ؟ فقد باتت الحاجة تقتضي وجود إدارة حكيمة للدين العام في ظل تزايد الإحتياجات التمويلية وسط آفاق ضبابية لمستقبل اقتصادنا.

فغالبية قروض الدول الدولية تسببت بأزمات وعملت على توسيع الفجوة بين طبقات المجتمع ، وهذا ليس افتراء بل هو قديم وجديد وسيستمر خصوصاً عند الدول التي عاث بها الفساد والنهب ، ولكي يحكم الصندوق والبنك الدولي دول كثيرة ، فقد روجوا في بداية ثمانينات القرن الماضي ما أُصطُلح على تسميته ( توافق واشنطن Washington Consensus ) المبني على ثلاثة ركائز وهي ( تحرير ولبرلة الإقتصاد ، والخصخصة ، والتقشف ) ، وأن مجانية التعليم تقود إلى الجهل ، ومجانية الصحة والعلاج تقود إلى الخسارة ، وهي مسودة طرحها الإقتصادي الإنجليزي John Williamson عام ١٩٨٩ لتكون علاجاً ووصفاً من عشرة بنود للدول الفاشلة والتي تعاني من صعوبات ماليه واقتصادية.

ورغم كل ذلك هناك دول تمكنت من الفرار من هاوية الصندوق والنجاة من سياساته ، ولعل تركيا وماليزيا وبولندا من أبرز هذه النماذج لم تستمر بالأقتراض وخرجت من أزمتها وتعاملت مع القروض على أنها وسيلة لدفع الأقتصاد إلى الأمام ، وليس الوسيلة الوحيدة لرفع معدل النمو الإقتصادي.

وفي كتابه ( الإغتيال الإقتصادي Confession of an economic hit man اعترف الإقتصادي الأمريكي John Perkins في الصفحة رقم (٢٣) كيف تم نهب الدول عن طريق قروض الصندوق وأعطى مثالاً على الإكوادور في أمريكا الجنوبية .. فقرصنة الإقتصاد التي تحدث عنها Perkins تعتمد في الأساس على منح القروض.