تقوم فكرة جمعيات حماية المستهلك على تكوين جهد لمجتمع مدني يهدف أساساً إلى حماية المستهلك ضد مجموعة من التحديات في السوق، وذلك عبر نشر معلومات شفافة، وموثوقة، ومحددة، عن أسواق السلع والخدمات، وتقديم الحماية من التغوُّل والاحتكار السعري، والحماية من سوء المواصفة، والحماية من الغش التجاري، أو من تقليد السلع ذات العلامات التجارية العالمية، والحماية الصحية والجسدية والغذائية، من استهلاك بعض السلع، أو الاستهلاك الزائد لبعضها أحياناً، أو الإدمان على الاستهلاك في بعض الحالات. وعليه فإنَّ جمعيات حماية المستهلك هي بمثابة جماعة ضغط تعمل بشفافية وحاكمية عالية، دون تحقيق مصالح لأي طرف من المشاركين فيها، بيد أنَّ فعّالية هذه الجماعة تتطلب جهداً من طرفين؛ الأول: جهد القائمين على تلك الجمعيات من متابعة وتحقُّق وتحقيق، والثاني: جهد جمهور المستفيدين؛ أي العامة، وما يتطلبه ذلك من التزام بتصرفات أو نشاطات تشمل المقاطعة، أو حتى التحفيز على التحوُّل نحو سلع بديلة، أو الخروج في نشاطات مشتركة، حضارية ونوعية، لإيصال صوت العامة أمام صنّاع القرار من الجانبين؛ القطاع الخاص والعام، أو المقاطعة التامة لبعض السلع والخدمات، أو استبدال خدمات بخدمات أخرى، ومثال ذلك في قطاع المواصلات والنقل، وفي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وفي السلع الغذائية المواسمية. ومن هنا نشطت في دول العالم أجمع جمعيات، أو مؤسَّسات، أو روابط، لحماية المستهلك، مثل رابطة المستهلكين في إنجلترا، وجميعات حماية المستهلك في مصر، والمغرب العربي، والأردن، والعديد من دول العالم.
بيد أنَّ المهم معرفته هنا أنَّ نجاح هذه المؤسَّسات ونجاح جهودها، يقوم أساساً على طرفي المعادلة؛ أي القائمين على إدارتها، والمستهلكين أنفسهم. ولعلَّ عامل التحفيز الأساسي في هذه المعادلة يبدأ من مدى الثقة، ومدى مصداقية تلك المؤسَّسات والقائمين عليها، ناهيك عن أهمية قدرتها على الوصول والتواصل مع الجمهور، بل وقدرتها الفعلية على الإقناع، خاصة إن تتطلَّب الأمر مقاطعة سلعة ما، أو التحوُّل عن استهلاكها إلى سلعة بديلة، أو اتخاذ مواقف معينة من بعض الخدمات، حتى تلك التي يتم تقديمها من الجهات الرسمية. حماية المستهلك تحتاج إلى حالة من الشفافية والحاكمية الحقيقية من قِبَل القائمين على عملها. والدول التي نجحت في ذلك اعتمد نجاحها ذاك على قدرة جمعيات حماية المستهلك، على إيصال رسالة مستقلة، وشفافة، وذكية، لجمهور المتعاملين، باستخدام كافة الوسائل المتاحة، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، ما يحقِّق أكبر قدر ممكن من التزام العامة بمحتوى تلك الرسائل، سواء أكانت للمقاطعة، أوالتحوُّل إلى بدائل، أو الإحجام التام عن التعامل مع سلسلة محلات أو علامات تجارية معينة. وهو ما يؤكِّد أهمية الثقة بمصداقية تلك المؤسَّسات والجمعيات، وهي ثقة تتحدَّد بمن يقوم على إدارة تلك المؤسَّسات، والتأكُّد من أنهم ليسوا من أصحاب المصالح، ولا يتحقَّق لهم أيُّ تضارب في المصالح في أي قرار يتخذونه. وعليه فإنَّ تلك الجمعيات لا بدَّ أن تتكوَّن من نشطاء من كافة المستويات العمرية من الجنسين، على ألا تزيد فترة خدمة مجالس إدارة تلك الجمعيات على دورتين اثنتين، وبما لا يتجاوز 6-8 سنوات، ويستدعي ذلك أيضاً استقلالية تامة للجمعيات، بعيداً عن أيِّ تمثيل للحكومات، أو لمجتمع الأعمال والتجارة. بقي القول والتنبيه مرة أخرى، إنَّ نجاح جهود هذه المؤسَّسات المدنية لن يتمَّ دون تفاعل الجمهور، وامتثالهم للتوصيات التي تصدر عن جمعيات حماية المستهلك، ما يجعل تلك الجمعيات أداة ضغط حقيقي يجعل الحكومات، والتجار، ومجتمع الأعمال، يحسبون حساب تحرُّكات تلك الجمعيات، بل ويسعون إلى إشراكها في صنع القرار الاستهلاكي بشفافية وحاكمية ورشدٍ كبير. وختاماً، فإنَّ المستهلك سيتحرَّك فعلياً إذا ما عملت تلك الجمعيات، عبر وسائل التواصل مع الجمهور، على توصيل معلومات شفَّافة واضحة ومفيدة، تجعل الجمهور يعي أهمية حمايته من سلعة معينة، عبر مقاطعتها أو التحوُّل إلى بديل عنها، وفي الوقت نفسه فإنَّ المجتمع السلبي لن يستفيد من أيِّ خدمات من مؤسَّسات حماية المستهلك، ما لم يتفاعل معها، حتى وإن تطلَّب الأمر مقاطعة طويلة الأمد في بعض الحالات، ذلك أنَّ النهاية ستكون في صالح من يستطيع أن يضغط أكثر ويحقِّق أهدافه.