مفارقات
د.لانا مامكغ
سنبقى نتساءل: ألا من حلٍّ للظّاهرة المتمثّلة في تكديس الأرغفة السّاخنة داخل الأكياس البلاستيكيّة؟ ابتسمتُ بأسى ذلك اليوم حين رأيتُ التزامَ موظّفي أحدِ المخابز بلبس القفّازات والكمّامات، لوقايتنا من الفيروس الشّهير، في الوقت الذي يشيرُ فيه تعاملُهم مع تلك الأكياس الّلعينة بإصابة المستهلكين بالسّرطان… معلومةٌ مؤكّدة أثبتها الأطبّاء والباحثون فحذّروا من تفاعل البلاستيك مع الحرارة، كما التفتت معظمُ دول العالم لأضرار البلاستيك فحدّت من استخداماته … إلا نحن !
هل من الصّعبِ على الجهات المسؤولة إلزامُ الجميع باستخدام أكياسٍ ورقيّة رخيصة من تلك المُعاد تدويرُها؟ بدل هذه المخاطرة غير المفهومة؟
أحسبُ أنَّ الأمرَ بحاجةٍ لقرارٍ حازم رحمةً بصحّتنا.
كما يثيرُ الغضبَ قواريرُ المياه المعلّبة التي يُكدّسها بعضُ التّجّار أمام محلاّتهم تحت أشعّة الشّمس الحارّة … لنعود ونسأل: مع هذا الكمّ الهائل من الشّركات التي تنتجُ هذه السّلعة، إلى أيّ حدٍّ تتمُّ مراقبة نوعيّة المياه، ومتابعة نقائِها المفترض؟ وأين تذهب أكوامُ القوارير البلاستيكيّة الفارغة التي تُلقى يوميّاً في الحاويات، أو هنا وهناك!
وإذا كنت تقودُ مركبَتك في أمان الله، وفوجئت بأخرى أمامك تتمايلُ يمنةً ويسرة، أو تبدأ بالسّير البطيء دون مبرّر، أو تتوقّفُ فجأة … فاعلم أنَّ صاحبَها مستغرقٌ في مكالمةٍ هاتفيّة، أو في عمليّة استقبال وإرسال الكترونيّة … ولك أنت تتدبّرَ أمرَك؛ إمّا أن تتجاوزَه، أو تحتويه كاتماً قهرَكَ وغضبَك وغيظَك … أو تدخلَ في مشاجرةٍ صاخبةٍ معه!
هذا، عدا عن الظّاهرة التي سئمنا من الكتابة عنها، مثلَ جلوسِ الأطفال في المقعد الأمامي، أو إخراجِ رؤوسهم الصّغيرة من الفتحة العلويّة للمركبة، جملة من المخالفات التي تقشعّرُ لها الأبدان، وتُعاقبُ عليها دولٌ أخرى بقسوة، تراها تُقترف عندنا بلا مبالاة، ولا مسؤوليّة، حتى تجدَ نفسَك تنشغلُ بأطفالِ المواطن الكريم، وتقلقُ وتخافُ عليهم … وهو آخر من يهتم !
مفارقاتٌ عجيبة كُتب فيها وعنها الكثيرُ دون جدوى، وكأنّما الارتقاء بالوعي، وتغيير السّلوك السّائد أمرٌ مستحيل في مجتمعنا . ولعلَّ هذا ما دفعَ بعضَ الدّول العربيّة لتعزيز مبدأ الثّواب بدلَ العقاب كي تكرّس قوانينها، ونحنُ، ماذا يمنعُنا من تطبيق المبدأ ذاته؟ فيُكافأ المواطنُ الذي لم تُسجّل عليه مخالفاتٌ تُذكر على مدار عامٍ أو عامين، بأن يُعفى من رسوم التّرخيص مثلاً ؟
وثمّة ظاهرةٌ لا نجد لها تفسيراً، إذ تقرأ على أيّ جدار، أو مساحة فارغة على شوارعنا إعلاناتٍ تقول: “لتشييك مزارعِكم، الاتّصال على هاتف … “ لنسأل ببراءة: كم عددُ المزارع في بلدنا؟ إذ توحي الكثافة في عدد الإعلانات إيّاها أنَّ لكلّ مواطن مزرعة… ولا مشكلة لديه إلا في تشييكها!
هل من الصّعب على الجهات المعنيّة الاتّصالُ بالهاتف المعلَن ذاته، كي يتكفّلَ صاحبُه بمحوِ الكتابة الرّديئة، ثمَّ ليُعاقبَ على التلوّث البصري الذي تسبّبَ به ؟
وأخيراً، ومن وحي الشّهر الفضيل، أقترحُ على الحكومات العربيّة تخصيصَ جائزةٍ سخيّة لكلّ مواطن يكملُ مشاهدةَ حلقةٍ واحدة من برنامج “ رامز جلال “ … المصيبة أنَّ الفتيةَ والأطفالَ هم جمهورُه الأكبر، هؤلاء الذين يتعلّمون منه يومياً، مقاديرَ مخجلة ومؤسفة من التنمّر الّلفظي والجسدي … بداعي التّرفيه الرّخيص، والتّسلية التّافهة!
Related