الاردن اليوم: نشر موقع “ميدل إيست أي” تقريرا أعده أوسكار ريكيت قال فيه إن عمر البشير الذي أطاحت به ثورة شعبية قبل 3 أعوام يقبع في السجن إلا أن مسؤولي حكومته بدأوا بالتسلل من جديد إلى المواقع البارزة في الحكومة التي يقودها الجيش الآن.
وأشار في بداية تقريره إلى ما قالته سارة عبد الجليل التي أصبحت متحدثة باسم تجمع المهنيين السودانيين، وكانت في لندن عندما تلقت أخبارا في 11 نيسان/أبريل 2019 عن نهاية حكم البشير الذي تقول إنه عذب وسجن الكثيرين من أصدقائها وأجبرها على العيش في المنفى لمدة عقدين. وتقول إن مشاعر الفرح في ذلك اليوم طغت عليها مشاعر القلق وإن مسار السودان الديمقراطي قد تعطل أو حول قطاره عن وجهته النهائية. فالثورة لم ترد الإطاحة بالبشير فقط ولكن نظامه وحزب المؤتمر الوطني الذي قاده وسير نظامه. و “كنا نريد أن يذهب كل هذا” كما تقول، و”في ذلك اليوم كان المؤتمر الوطني يريد خلع البشير لكي تنتهي المظاهرات، لكنهم اكتشفوا أن الشعب السوداني يريد المزيد”.
وعلقت على المفاوضات لتشكيل النظام السياسي بعد البشير قائلة “لم تكن هناك محادثات متوازنة، كانت لديهم السلطة والبنادق ولكن الشعب قاوم”.
وبعد 3 أعوام لا يزال البشير في السجن وحزب المؤتمر الوطني محظورا، ولكن السؤال الذي يحوم هل بدأ رجال البشير بالعودة؟ وهل غادروا السلطة أصلا؟
والجواب على هذين السؤالين يبدأ بالنظر إلى قمة السلطة الحالية في الخرطوم اليوم. ويقف على رأسها الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش والزعيم الفعلي للبلاد. وكان واحدا من الرموز العسكرية التي أخبرت البشير أن وقته انتهى. ولكنه كان دائما واحدا من رجالاته، من الناحية الفعلية والسياسية. فكعقيد في المخابرات العسكرية قام بالتنسيق بين الجيش والمليشيات التي نظمت هجمات ضد المدنيين في دارفور عام 2003 و 2005. وكان البرهان حسب محرر “إفريقا كونفدنشيال” باتريك سميث “محوريا في الدمار الذي حصل في دارفور” على يد إدارة البشير. وقتل مئات الآلاف من المدنيين نتيجة العنف وهو ما أدى بجعل البشير مطلوبا لمحكمة الجنايات الدولية. وأصبح البرهان قائدا للقوات البرية قبل أن يصبح المفتش العام للجيش في شباط/فبراير 2019 وقبل شهرين من إزاحة البشير عن السلطة.
وإلى جانب البرهان، هناك محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، قائد قوات الدعم السريع والنائب الفعلي لرئيس الدولة. ومثل البرهان استطاع تعزيز سلطاته في مرحلة ما بعد البشير، رغم كونه الرجل الذي صنع في زمن الديكتاتور. فكزعيم لقوات الجنجويد، الميليشيا سيئة السمعة والتي تحولت إلى قوات الدعم السريع، فهو متهم بالإشراف على جرائم في دارفور.
ولا تتوقف الاستمرارية بين عهد البشير والعهد الحالي عند البرهان ودقلو بل وتذهب أبعد منهما. ومنذ انقلاب تشرين الأول/أكتوبر 2021 والذي أطاح برئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك وأدى لتوطيد سلطة كل من البرهان وحميدتي، لوحظت عودة قيادات بارزة في حزب المؤتمر الوطني إلى مناصب في الدولة. وتعتقد القوى الداعمة للديمقراطية أن الحزب الإسلامي الذي حكم البلاد طويلا يقف وراء الانقلاب الأخير.
وأصدرت محكمة سودانية يوم الخميس براءة عدد من القادة الإسلاميين بمن فيهم إبراهيم غندور، رئيس حزب المؤتمر الوطني نظرا لعدم توفر الأدلة. وفي الفترة التي أعقبت انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر أعرب غندور عن دعمه للانقلاب الذي وصفه بـ“التصحيحي”. وأضاف أن البرهان ارتكب خطأ عندما وقع اتفاقا مع قادة الثورة وأن توجه البلد بدأ بالتحسن. ويرى الكاتب أن البرهان الذي لا يملك قاعدة دعم شعبي بات يلوح بورقة الإسلاميين ويعيد الحرس القديم. وتقول الناشطة ندى علي “يقوم البرهان بملء المناصب المهمة ببقايا النظام الفاشي الإسلامي”.
فعلي صادق، القائم بأعمال وزير الخارجية عمل سفيرا في عدد من الدول وكان متحدثا باسم وزارته أثناء عهد البشير. وكان أحمد المفضل، مدير المخابرات العامة والذي عين بعد شهر من انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر من الموالين للبشير وعمل في حكومة حزب المؤتمر الوطني وحاكما لجنوب كردفان. أما القائمة بأعمال وزير العمل، سعاد طيب حسن، فقد كانت مديرة مكتب العمل بحكومة البشير. وكذا سعاد صالح سعد وزيرة التجارة التي كانت نائبة للوزير. وعمل عثمان حسين، أمين عام مجلس الوزراء نائبا للرئيس السابق. كما عمل رئيس القضاء عبد العزيز فتح الرحمن عابدين، نائبا لرئيس القضاء. وعين حسين يحيى جنقول، محافظا للبنك المركزي وهو نفسه الذي اختاره البشير لنفس المنصب.
ويقول الموقع إن الناشطين المؤيدين للديمقراطية قدموا عددا من الأسماء التي تعود إلى العهد الماضي وباتت تلعب دورا في نظام البرهان- دقلو. ويقولون إن الإجراءات الأخيرة ألغت كل جهود لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد في السودان. ويشمل هذا إعادة مئات من رموز حزب المؤتمر الوطني التي أزالتها الحكومة المدنية بتهم الفساد. وتقول عبد الجليل التي تعمل طبيبة في خدمة الصحة الوطنية بلندن “العدالة لم تتحقق” و “لم يتم إصلاح للقضاء ولا قطاع الأمن ومنع النظام أي جهود لتفكيك مصالح مناجم الذهب والمصالح التجارية وغير ذلك”. وتعتقد عبد الجليل أن انقلاب 25 تشرين.
الأول/أكتوبر انتهى بالطريقة التي أراد الجيش بها إنهاء 11 نيسان/أبريل 2019. ففي ذلك اليوم أراد البرهان التخلص من البشير والعودة للعمل بشكل عادي، ولكن رغبة الناس الثورية عنت أن هذا لن يحدث. ولم يكن مسموحا للثورة ارتكاب أخطاء، وعندما حل يوم 25 تشرين الأول/أكتوبر بدا الأمر وكأن الحركة الثورية تتعافى من مرض لتصاب بكوفيد-19.
وتقول إن الانقلاب هو عودة خفيفة لنظام المؤتمر الوطني “ونحن دمية في يد الآخرين، مصر والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي، بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا”. ولكن الديمقراطية ستحل على السودان في النهاية “وستحدث وربما اقتضى الأمر سنوات وثمنا باهظا، للأسف. أنا طبيبة وأشاهد الأطفال يقتلون ولكن هناك وعي عال بين الشباب حول ما يريدون تحقيقه”. ولا تزال الاحتجاجات تعقد في كل أسبوع و “الثورة في كل بيت، وهم أناس عاديون يطالبون بالعدالة والأمن والحقوق، وكل هذه تتدخل بمصالح حزب المؤتمر الوطني”.