كتب المهندس سليم البطاينة ..
نحن في حالة إعياء شديد وسقوط في حالة مفرغة وهرولة نحو المجهول ، والقدس أصيبت باليُتم في زمن تحول فيه العرب إلى الهرولة نحو إسرائيل .. فما يحدث بالقدس والمسجد الأقصى ما هو إلا تنفيذٌ لما تم الإتفاق عليه في صفقة القرن والتي من أهم بنودها استثناء القدس من أية حلول مقترحة سابقاً .. فدول الطوق والدول الوازنة عربياً على علم تام ببنود تلك الصفقة ، والأردن هو البلد الوحيد المُتضرر مما تفعله إسرائيل بحق المقدسات رغم أنه يمتلك حق الوصاية كاملة على المقدسات كما نصّت معاهدة السلام ، لكن إسرائيل لا تحترم اتفاقيات ولا مواثيق ولا تأبه لمشاعر أحد ، فهي تعبث بالأقصى دون حسيب أو رقيب ونحن في سبات عميق وغثائية مقيتة وكأننا ننتظر اليوم الذي يبدو أنه لم يعد بعيداً حين نستيقظ وقد هُدم المسجد الأقصى وتم بناء الهيكل محلّه.
ومشكلتنا في الأردن أننا ضربنا أرقاماً قياسية في عدد حالات الشجب والإستنكار رغم إمتلاكنا حق الوصاية وحماية المقدسات.
ففي بداية نشوء إسرائيل تحدث الرئيس الأول ( دافيد بن غوريون ) المُسمى ب ( أسد يهوذا ) أنه لا قيمة لإسرائيل دون القدس ولا فائدة للقدس بدون هيكل !
وبحسب التقويم اليهودي فإنه في اليوم السابع عشر من شهر سبتمبر عام ( ٥٧٧٨) من السنة اليهودية الذي وافق ٢٨ أغسطس عام ٢٠١٨ ولدت البقرة الحمراء في إسرائيل ، الأمر الذي يدق أجراس بداية السعي الصهيوني لبناء الهيكل الثالث على حد قولهم .. فاليهود في عقيدتهم يعتبرون أن بإمكانهم بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى في اليوم الذي تظهر فيه ( البقرة الحمراء ).
وأسطورة البقرة الحمراء حاضرة في نسخة التوارة التي بين أيدي اليهود اليوم ، حيث تكلم سِفر العدد ( ١٩: ١- ١٠ ) عن ذلك مقتبساً بعضًا مما ورد ( قل لبني إسرائيل أن يأتوك ببقرة حمراء سليمةً خالية من كل عيب ، لم يَعلُها نِير ، ولا تكون قد حُلبت من قبل ولم تستخدم في عمل من حمل أو حرث .. وأعطوها لأليعازر الكاهن ليأخذها إلى خارج المخيم وتُذبح أمامه ويغمسُ يده سبع مرات ، وتُحرق البقرة بجلدها ولحمها ودمها ) انتهى الإقتباس.
فولادة البقرة الحمراء وتقديم القرابين في عيد الفصح اليهودي ، ومحاولة ذبحها داخل المسجد الأقصى يعني الخطوة الأولى في هدم المسجد وبناء الهيكل.
فوفقاً للتعاليم التوراتية فذبح القربان لليهود هو عملية إحياء معنوي لهيكلهم يهدف لفرض واقع جديد يمهد لتدشين هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى ، وهو من طقوسهم الدينية التي من بينها أيضاً الإنبطاح الملحمي على الارض .. فهم يعتقدون أن وقت أداء قربان الفصح داخل المسجد الأقصى قد حان ولم يعد يحول دونه شيء.
وإن القربان ( الجدي الأملح الأقرن ) يجب أن يُذبح عشية عيد الفصح اليهودي ( شهر نيسان ) وأن يُنثر دمه عند قبة باب السلسلة.
إنها ليست المرة الأولى التي تسعى فيها المجموعات اليهودية ( جماعات عائدون إلى جبل الهيكل ) إلى محاولة ذبح القرابين في المسجد الأقصى ، فقد عملت تلك الجماعات على مدار ثمان سنوات بخطوات متدرجة من أجل الوصول إلى هذه المرحلة التي يصفها الحاخامات بأنها البناء المعنوي للهيكل الثالث.
فمنذُ بداية شهر رمضان المبارك تُكثف دعوات واستعدادات جماعات الهيكل وحاخاماتها لتقديم ما يسمى قربان الفصح داخل المسجد الأقصى ، بحيث تم رصد مكافئات مالية لمن يتمكن من إدخال القربان داخل المسجد الأقصى .. وهذا ليس بجديد فمنذُ عام ٢٠١٤ وجماعات الهيكل تعمل على الإحياء العملي لطقوس القربان وتُجري تدريبات عملية لتحقيق ذلك ، ومجلس القضاة ( السنهدرين ) يعمل على تأمين وتقديم القربان.
ولمن لا يعرف فإن معهد الهيكل قام بإنفاق أكثر من ٣٠ مليون دولار في الإعداد لإعادة بناء الهيكل ، وهناك خطة واضحة لكل خطوة لديهم .. فقد تم الصرف على أواني الهيكل وأرواب الكهنة ، وتم إعداد حجارة المذبح.
وبقراءة السلوك الإسرائيلي هذا فإن هذه الخطوة من شأنها أن تُدخل المنطقة ككل في حرب دينية تؤدي إلى شلال لن يتوقف من الدم .. فالمحاولات الصهيونية ستتكرر لإدخال القربان سواء العام الحالي أو المقبل ، وهو خطر متكرر مرتبط بمناسبتين لليهود في العام وهما ( عيد الفصح وعيد الغفران ) ، الأمر الذي يتطلب التعامل معه عربياً وإسلامياً على أنه خطر محدق بالمسجد الأقصى.
فقد آن الأوان لكي يدرك الجميع أن المسجد الأقصى في خطر وكلامي لا يحتاج إلى دليل أو برهان ، وهذه ليست المرة الأولى التي نُحذر فيها خطورة الأفعال الصهيونية.
لكن يبقى السؤال عن موعد تحركنا وجدّيتنا كدولة نمتلك حق الوصاية في حماية المقدسات ؟