الأردن اليوم – الهجمة الصهيونية على الموقف الأردني وظهور “القربان” ألتلمودي على أبواب المسجد الأقصى لأول مرة منذ عام 330 ميلادي، يقرع جرس الإنذار للدولة الأردنية بضرورة إعادة تقييم العلاقة مع دولة الاحتلال التي بدأت تضرب المصالح الوطنية الأردنية وتهدد الاستقرار بتجاوزها علنا على معاهدة السلام الموقعة عام 1994 ومعاداتها لحل الدولتين كاستراتيجية أردنية قبل أن تكون مصلحة فلسطينية.
يخطئ من يعتقد أن المشكلة كانت مع بنيامين نتنياهو الذي فرض على إدارة دونالد ترامب رؤيته لحل القضية الفلسطينية، بل أن المشكلة هي مع دولة الاحتلال التي باتت تعتقد بكافة فئاتها، أنها نجحت في مخططاتها الاستعمارية وان مشروعها في ابتلاع فلسطين لم يتبق عليه سوى اللمسات النهائية وان أول من يعيق تقدمها هو الموقف الأردني..
وقد مهدت إسرائيل لذلك بتدمير الموقف الفلسطيني الداخلي وإسقاط معظم أوراق قوته و تفتيت الموقف العربي والإسلامي وكذلك استمالة المواقف الدولية (أمريكا وأوروبا ) والتي تناست واقع الاحتلال وأصبحت أكثر تأييدا لروايتها.
مشكلتنا في المسجد الأقصى ليست في (احترام إسرائيل للوضع القائم في الحرم القدسي) و(ليس في وقف الإجراءات الأحادية) و(ليس في استعادة الهدوء والاستقرار) و( ليس في احترام الوصاية)، بل المشكلة تكمن في جلاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران. وللأسف يركز إعلامنا على المسجد الأقصى وينسى ممارسات قوات الاحتلال ضد كنائس البلدة القديمة وخاصة كنيسة القيامة، التي تتعرض في موسم الأعياد الى مضايقات صهيونية وتقنين دخول المصليين المسيحيين وهو ما صدر به بيان تنديد من بطريركية الروم الارتوذكس بوصفه (يضع قيودا مجحفة على حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية).
الأردن لم يخف مواقفه هذه، وإسرائيل تعرف جيدا ان الأردن عدو وليس صديقا، وهي تعي انه آخر العرب في معسكر التصدي لمشروعها الصهيوني، وأكثر ما يزعج الإسرائيليون الموقف ألأردني الحازم والواضح على أعلى المستويات بان الحل هو جلاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، وتعرف إسرائيل العميقة أن جلالة الملك عبد الله الثاني والأردن خلفه هو العقبة الكأداء أمام مشاريع دولة الاحتلال.
لم يأت قرار الشرطة الإسرائيلية بمنع دخول المتطرفين والمستوطنين الى باحات المسجد الأقصى حتى نهاية رمضان الجاري إلا تعبيرا واضحا عن صمود المقدسيين وتضحياتهم وكذلك نتيجة للموقف الأردني الصلب في الدفاع عن الأقصى وعن مصالحه الاستراتيجية.
لذا لم نستغرب الهجمة الرسمية والإعلامية الإسرائيلية ضد الأردن ومحاولة ربط “التصعيد” الأردني بالتغطية على قضايا داخلية مثل قضية الفتنة وغيرها والتشكيك في الوصاية على المقدسات المسيحية، والموقف الأردني ليس سهلا في مواجهة المشروع الصهيوني في ظل موازين قوى مختلة، بل أن موقف الأردن اليوم أشبه بالموقف “الانتحاري” في الوقت الذي تغيب فيه المواقف الإسلامية الصاخبة (اردوغان عبر عن أسفه وقلقه) والمواقف العربية التائهة والخجولة والمختبئة خلف بياناتها الهزيلة وعلاقاتها الحميمة مع الاحتلال.
وهذا لا يخيف الأردن لان أي توتير في العلاقة مع دولة الاحتلال ينعكس إيجابا على مستوى الثقة الشعبية في الدولة والحكومة، وقد رأينا موقفا حكوميا شجاعا وغير مسبوق في التصدي للهجمة الصهيونية من رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة وهو موقف يتقدم على موقف البرلمان.
وقد تجاهل جلالة الملك عبد الله الثاني عدة اتصالات هاتفية لمسؤولين إسرائيليين خلال الأيام الماضية، وكذلك فتحت الجهات الأردنية اتصالات مع حركة المقاومة الإسلامية حماس ومع المؤسسات والشخصيات المقدسية التي سيستضيفها جلالة الملك خلال الأيام القليلة القادمة في عمان.
إن الوصاية الهاشمية في مفهومها القانوني لا تصل الى مفهوم المسؤولية الكاملة عن إدارة المقدسات بل إن اليد الطولى للاحتلال وقواته التي تحمي المتطرفين، والأردن لم يشكُ حمله، لكنه بحاجة الى مواقف حازمة عربيا وإسلاميا ومقدسيا من اجل الصمود والبقاء في مواجهة الاحتلال لان قضية القدس كبيرة وخطيرة ولا يستطيع الأردن وحده تحمل هذه المسؤولية التاريخية لا سيما وان اللاعبين على أرض (الأقصى) لهم خلفيات ومشارب ومصالح متضاربة.