الأردن اليوم – تصريحان مُثيران للجدل، وفي الوقت نفسه يُدخلان الريبة في القلوب، صدرا مؤخرًا، الأول عن رئيس الوزراء الأسبق، سمير الرفاعي، ويتمحور حول ضرورة «إلغاء» ديوان الخدمة المدنية «من باب الشفافية»، والثاني عن رئيس ديوان الخدمة المدنية سامح الناصر ويتضمن الانتقال «تدريجيًا» إلى الإعلان المفتوح، بشأن التعيين في وزارات ومؤسسات القطاع العام كافة.
بداية، يجب التقين بأن ديوان الخدمة المدنية بات من المؤسسات القليلة التي تضمن نوعًا ما من العدالة في التعيين في الوظائف الحُكومية وشبه الحُكومية، في وقت أصبحت فيه مؤسسات ودوائر مقصورة على فئة معينة، فضلًا عن أنه (الديوان) ملاذ للآلاف من الأردنيين، كي يستطيعون العيش في هذه الأوضاع الأكثر من صعبة، والتي أشر إليها وإلى مساوئها أكثر من مسؤول أردني بارز، وفي أكثر من مُناسبة.
من حق كل مواطن على ثرى هذا البلد، أن يتساءل لماذا يتجه «الخدمة المدنية»، وفي هذا الوقت بالتحديد، إلى مفهوم «انتهاء» الانتظار، واللجوء إلى الدور لصالح الإعلان المفتوح، خصوصًا إذا ما علمنا بأن «الخدمة المدنية» لديه مخزون من طلبات التوظيف تُقارب الـ400 ألف، نسبة كبيرة من أصحابها ينتظرون، وبفارغ الصبر، دورهم في أجل التعيين.
قد يكون مثل هذا التفكر «خطأ» أو يُجانب الصواب، لكن لا ننسى بأن هذا حق كفله الدستور الأردني، فمن حق المواطن أن يحصل على وظيفة، بعد تعب نحو 16 عامًا من الدراسة، ما بين مدرسة وجامعة وكُلية، فضلًا عن أنه من المعلوم بأن الكثير من أبناء الشعب الأردني هيأوا أنفسهم للحصول على وظيفة حُكومية، فجُلهم يشتغلون أو يعملون بوظائف مؤقتة حتى يأتي التعيين في مؤسسة رسمية.
قد يكون الإعلان المفتوح أفضل للمؤسسة أو الدائرة طالبة التعيين، حيث تستطيع استقطاب الأكفأ ومن يملك خبرة أفضل، لكن ذلك يحتاج إلى الكثير من القواعد والأُسس، ناهيك عن أمانة وحس المسؤولية والابتعاد نهائيًا عن المحسوبيات أو الواسطات.. فهذه الصفات، وللأسف، يُتقنها الكثير من أبناء جلدتنا، خصوصًا ممن يتبأون مقاعد مُتقدمة في المسؤولية، وبالتالي من يضمن ألا يُهضم حق ذلك المواطن طالب التوظيف؟
مُشكلة تعيين الأفضل الأكفاء، يُمكن التغلب عليها، من خلال الجامعات أو كُليات المُجتمع المتوسطة، بحيث يتم التركيز أكثر على الساعات العملية للطالب وهو على المقاعد الدراسية، وتمكينه أكثر بخصوص الأبحاث، وبالتالي تخريج أشخاص قادرون على دخول سوق العمل بكل كفاءة.
يتوجب على المعنيين والمسؤولين أن يعوا تمامًا بأن كل بناء يحتاج إلى أُسس وقواعد خاصة، وكذلك الإلغاء أو الهدم، إن جاز التعبير، فالبناء والهدم بحاجة إلى خطة تدريجية لإكمال المُهمة، فمن غير المعقول أن يُمسي المواطنون على وجود مؤسسة مثل ديوان الخدمة المدنية، ثم يُصبحوا وكأنها شيئًا لم يكن، بالإضافة إلى أن ذلك يحتاج إلى استراتيجيات أو خطط يتم من خلالها إقناع المواطن بأن الوظيفة الحُكومية، ليست الوحيدة أو مصدر الرزق الوحيد في هذا البلد، فهُناك القطاع الخاص، وكذلك المشاريع الصغيرة والمُتوسطة، أو ما يُطلق عليه الشغل «الحر»، والذي ينطبق نوعًا ما على بعض المهن والحرف.
ويبقى التساؤل الأهم، هل التصريح علانية بإلغاء ديوان الخدمة المدنية، أو التعيين وفق إعلان مفتوح، بعيدًا عن الدور، بما يتضمن من تاريخ التخرج لطالب التوظيف ودرجته ومؤهله، بداية لخصخصة القطاع العام؟.
(الغد)