مجالس الإدارات في الأردن مأوى للباحثين عن جوائز الترضية.

المهندس سليم البطاينه

 

لا تزال قضية اختيار رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الشركات والهئيات الحكومية ورواتبهم وامتيازاتهم موضوع نقاش حاد ، وما إذا كانت مُبررة أم لا ، حيث تعتبر المكافئات والإمتيازات والرواتب المرتفعة التي يتقاضونها مسألة ذات إشكالية من عدة نواحي ، بحيث تُعلي من أهمية شخص واحد أو شخصين وتقلل من مساهمات الموظفين الآخرين في نجاح الشركة .. فالشركات التي يرتفع فيها معدل أجر الرئيس التنفيذي ورئيس هيئة المديرين ورئيس مجلس الإدارة تقل فيها الإنتاجية وتتعرض الشركة إلى الخسارة.

 

وهنا يتساءل الجميع ما هي دواعي منح هذه الرواتب والإمتيازات الخيالية وكأننا من أغنى دول العالم ، فهل هي القدرات الخارقة والإنجازات الإبداعية والأرباح المتعاظمة التي تحققها هذه الشركات في ظل تلك الإدارات والقيادات ؟

 

فالرؤساء التنفيذيون ورؤساء مجالس الإدارات ليسوا أشخاص استثنائيين ولا يشبهوا Steve Jobs او Bill Gates .. فالمنطق يقول أن الرئيس التنفيذي ورئيس هيئة المديرين يحصلون على رواتبهم ومكفائاتهم وفقاً للأداء المالي لشركاتهم.

 

والسؤال بالنسبة لي ولكثيرين كيف يتم اختيار هؤلاء ؟ وكيف ظهرت حزمة الرواتب الضخمة هذه ؟ ومن وافق عليها ؟ وكيف يدار ملف بهذه العقلية ؟ والتساؤلات لا تزال مستمرة عن أحقيّة هؤلاء بتلك المناصب ؟ وهل إنجازاتهم وخبراتهم تشفع لهم بتقاضي تلك الرواتب والإمتيازات من السيارات الفارهة ؟ .. فهناك منهم من يدّعون أنهم أصحاب الرئيس ويسهرون معه وهو من وجّه بأن يكونوا رؤوساء لمجالس إدارات معينة ، وآخرون على حد قولهم أن الدائرة هي التي نسّبت بأسمائهم ، ومنهم من يقول أن الديوان الملكي تدخل بشأنهم .. فهم أولًا وأخيرًا يعوا تماماً أن تواجدهم هو بمثابة جائزة ترضيه لا أكثر ! لذلك فهم في راحة دون قلق مهما كانت النتائج سواء تراجعت الشركة أم خسرت.

 

فمال الشركات الحكومية هو مال يتبع لخزينة الدولة ، أي أنه مال بحاجة إلى حماية من أية تجاوزات .. وبالنظر إلى الإرتفاع الكبير في الرواتب والمكافئات والإمتيازات بإمكاننا القول أن العديد من رؤساء مجالس الادارات والرؤساء التنفيذيين فقدوا قدرتهم على الحكم بشكل عادل عندما يتعلق الأمر بالرواتب والمكافئات التي سيحصلون عليها ، وأصبحوا مرتزقة وقوارض ارتزاق أكثر من كونهم قياديين حقيقيين ، فالجشع يعتبر أحد الأخطاء المُميتة التي يصعب التغلب عليها.

 

فقد آن الأوان لنعيد حساباتنا واختياراتنا ونفتح هذا الملف ونكشف الغطاء عنه وعن المسكوت الذي لا نراه لكنّنا نرى أثره ونعلم نتائجه الضارة .. فهو ملف مهم يتحدد من خلاله ما يسمى بموارد دخل الدولة وناتجها القومي ، والذي يدار وللأسف بطريقة لا تنتمي لأي مدرسة اقتصادية ولا يقرّها أي فكر حول العالم.

 

ومن المعروف أن العمل التنفيذي والإداري لا يرتبط بحجم ساعات العمل بقدر ما يرتبط بالإنجازات التي يحققها أولئك وتنعكس على أرباح الشركة وتطويرها .. وهذا يتطلب فكراً متقداً وخبرة وسِعَة إطّلاع وجرأة محسوبة لا تتوافر في أي شخص كان.

 

فهنالك شركات معينة في الأردن تبالغ في منح الرواتب الخيالية لمسؤوليها من مدراء ورؤساء مجالس إدارات والتي تكاد تلامس ٣٠ ألف دينار شهريًا عدا رواتب الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، أي ما يزيد على راتب مدير عام منظمة التجارة العالمية التي تعتبر أخطر منظمة اقتصادية عالمية.

 

وهنا أدعو رئيس الوزراء إلى مطالعة دراسة تم نشرها في عام ٢٠١٨ في مجلة ( Journal of Financial Economics ) حول كيفية اختيار المدراء التنفيذيين ورؤساء مجالس الإدارات في العالم ، حيث يجري الإتفاق على المكافئات كطريقة لتقييم الأداء والأرباح.

 

وسأسرد لكم قصة حصلت داخل منظمة التجارة العالمية World Trade Orgaization حيث طلب مديرها العام عام ٢٠٠٩ برفع راتبه من ٤٤٠ ألف دولار في السنة إلى ٥٠٠ الف دولار في السنة لكن المؤتمر الوزاري ( أعلى سلطة في المنظمة رفض طلبه ) ، ولمن لا يعرف من هي تلك المنظمة ، فهي من أهم المنظمات الدولية ولديها موارد مالية ضخمة وتزاول مهام استراتيجية في منتهى الخطورة ومقرها جنيف في سويسرا.

 

في الأردن للأسف تشتري ظاهرة الإعتداء على المال العام من خلال منح جوائز الترضية والرواتب الخيالية والإمتيازات لرؤوساء مجالس الإدارات وكأننا في سويسرا واليابان .. فإذا كانت الحكومة ماضية بشكل حقيقي في معالجة انهيار الإدارة العامة في الدولة وتدني الأداء ، فعليها أن تعيد النظر في منح جوائز الترضية القائمة على الولاء والمعرفة والمصاهرة والقرب من أصحاب النفوذ ، وأن نضع أشخاص أصحاب معرفة واختصاص لا منح قلة فرصة الإستيلاء على موارد الدولة .. فكل ذلك قائماً على باطل لأنه اعتداء صارخ على خزينة الدولة.

 

وهنا لا بد من وقفة تجاه تلك المناصب كيف توزع وكيف تتم عملية الإختيار ، وهل هي حقًا جائزة ترضية ومكافئة ؟ الحل برأيي سهلٌ لو أننا راجعنا أنفسنا ، لكن حتى اللحظة لا يبدو أن الدولة قادرة أو لديها الرغبة في إيقاف تلك المهازل.